مما هو ممكن حدًّا أدنى لعالم في الشريعة مثله، فلم تمنعه إمامته في علوم الشرع من اطلاعه على كتب الطب وتصنيفه في ذلك الباب وترتيبه لمسائل طبية مع بيان ما دل عليه الشرع في كل باب وما قاله الأطباء فيها.
فدعوة الشيخ "العطار" إلى الاهتمام بمثل هذه العلوم وممارسته لذلك بنفسه دعوة صحيحة وإن كان فيها ما ينقصها، وربما يشفع له البدايات في الأمر، فإن أهم ما ينقصها هو عدم وضع تصور إسلامي حول هذه العلوم بعد أن تغير حالها عما كانت عند المسلمين، فإن أوروبا بعد أن نقلتها عن المسلمين قد أحدثت فيها أمورًا خطيرة، زاد خطرها بعد ظاهرة العلمانية والمادية في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر وما بعده، كما أنه كان ينقصها التفكير في الأولويات، ماذا نقدم وماذا نؤخر، فإن العناية بعلومهم في التاريخ ليس في أهمية العناية بالطب مثلًا أو العلوم ذات النفع الصناعي والرقي المادي، وقس على هذا غيره.
لم تظهر مشكلة في زمن العطار بين الدين والعلوم التي تعرّفَ عليها في الكتب المترجمة، وبقي السائد إلى زمنه أن السابق إلى تحصيل هذه العلوم العصرية هو أحد المتخصصين في علوم الشريعة، فما علم عن غيرهم ذاك الاهتمام، فجمع بين علم الشريعة وبين علوم العصر دون أن تظهر مشكلة في ذلك. وربما لو بقي التطور ذاتيًا وعلى هذه الوتيرة نفسها، وبهذا النموذج نفسه الذي مثله العطار؛ لما وقعت كثير من مشاكل مزعومة بين الدين والعلوم العصرية، ولكن التطور بعد ذلك قد تدخلت فيه أطراف أخرى أعاقت هذا النمو الطبيعي، أخطرها جهود الغربيين في فتح مدارس لهم بعيدًا عن علماء الشريعة يُدرّس فيها تلك العلوم بما اختلط بها من فلسفات ومذاهب وأيديولوجيات، ويأتي بعدها ما حدث للمبتعثين الأوائل من صدمة، وربما أخطر من ذلك تمكن بعض التيارات العلمانية الناشطة في أوروبا من التغلغل داخل المجتمع الإِسلامي، وأشهرها في تلك المرحلة -وقت الحملة وبعدها لما يقرب من قرن- "الجمعيات الماسونية" التي ما زالت تشعر بنشوة انتصارها في أوروبا، فتسرب بعض أعضائها عبر الحملة، ثم انتشرت وبقيت إلى سقوط الدولة العثمانية. وأقل منها شهرة "مجموعة السان السيميون" أتباع "سان سيمون" المفكر الفرنسي الاشتراكي، وهو شخص عاش أزمة المجتمع الفرنسي بعد أن ضُربت الكنيسة، والأزمة العنيفة التي عصفت بكل من كان يدين بدينها، فدعا إلى وضع العلم