للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهة جديدة في التصور والفكر والحياة، وبالعودة إلى المكتبة التراثية لا نجد فيها مثل هذا المصطلح بمثل هذا المحتوى الجديد.

فمادة "غَرَبَ" و"تغريب" في اللغة والاصطلاح بعيدة عن المفهوم الجديد للتغريب، قال الفيروز آبادي: "الغَرْبُ: المغْرِبُ، والذهابُ، والتنحي، وأول الشيء، وحدّهُ، كغُرابِهِ، والحِدّةُ، والنشاط، والتمادي، والراوية، والدلو العظيمة، وعِرْق في العين يسقي لا ينقطع، والدمع، ومسيلُهُ، أو انهلاله من العين، والفيضة من الخمر ومن الدمع، وبثْرة في العين، وورم في المآقي، وكثرة الريق،. . . . ويوم السقي، والفرس الكثير الجري، ومُقْدِمُ العين، ومُؤْخِرُها، والنّوى والبُعد، كالغَرْبَةِ وقد تَغَرَّبَ. وبالضم النزوح عن الوطن، كالغُرْبَةِ والاغْتراب والتَّغَرُّبِ،. . . . وتَغَرَّبَ: أتى من الغرب. . . . وغَرَبَ: غاب، كغرّب، وبَعُدَ. واغْتَرَب: تزوج في غير الأقارب. . . ." (١).

وفي الاصطلاح الفقهي نجد التغريب للزاني، قال ابن الأثير: "التَّغْريب: النَّفْي عن البلد الذي وَقَعت فيه الجِناية. يُقال: أغْرَبْتُه وغَرَّبْتُه: إذا نَحَّيْتُه وأبْعَدْتُه. والغَرْب: البُعْد" (٢).

ويمكن أن نأخذ مما سبق بعض المعاني للدلالة على المصطلح الجديد، ولاسيّما "الذهاب والتنحي، النشاط، التمادي، البعد، النزوح عن الوطن"، ففيها دلالات على مفهوم التغريب الحديث من بعض الوجوه.

وبما أن التغريب في أساسه بدأ بصفته مشروعًا غربيًا قامت به دول الغرب نحو البلاد غير الغربية (٣)، فقد كانت نشأة المصطلح هناك، تحت لفظة " westernization وترجمتها في القواميس: "يتغرب، يجعله غربي السمة أو الثقافة، يصبح غربي السمة أو الثقافة"، وتطلق لفظة " westerner"، على المستغرب المنادي بضرورة الأخذ بالثقافة الأوروبية الغربية (٤)، فيكون في


(١) القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مادة (غرب) ص ١٥٣ - ١٥٤.
(٢) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، مادة (غرب) ٣/ ٣٤٩.
(٣) انظر: الإِسلام، الغرب وحوار المستقبل، محمَّد محفوظ ص ٢٥، وانظر: رحلة الفكر الإِسلامي. . . .، د. السيد محمد ص ١٦٤ - ١٨٨.
(٤) انظر: القواميس، ومن ذلك: المورد، بعلبكي ص ١٠٥٦، أكسفورد - Oxford، مادة (westernization)، ص ١٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>