إلى الولاية، وسيكون لهذا الإهمال أثره فيما بعد على كثير من أحداث مصر وربما العالم الإِسلامي.
يعد "محمَّد علي" أول والٍ مسلم يتجه إلى الغرب بقوة من أجل طلب ما عندهم خارج السلاطين العثمانيين، وأتبع تلك الرغبة بعمل جاد رغم ضبابية الغاية المرجوة، والذي يظهر أن شهوة الزعامة كانت أقوى من مقصد إنقاذ الأمة ورفع التخلف عنها وإخراجها من الضعف الذي هي فيه، فإن الهدف المعلن من توجهه للغرب هو بناء جيش قوي يحمي حكمه ويساعده في توسيع مملكته، حتى وإن كان على حساب السلطنة التي يدين لها بالولاء، كما حدث من رغبته في التوسع ليضم بلاد الشام إلى ولايته ثم قيامه بذلك، ثم حصل ما حصل مما هو مدون في التاريخ فعاد ليكتفي بمصر. وتبقى تجربة محمَّد علي إحدى أشهر التجارب في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، وكانت نموذجًا للقسم العربي من العالم الإِسلامي، ولكنها كانت في الوقت نفسه -بسبب ما حوته من مشاكل- تجربة مربكة لمسيرة العالم الإِسلامي الحديثة، وتسببت في توتير العلاقة بين الدين والعلوم العصرية، وما زالت آثار تلك التجربة -للأسف- حاضرة في مجتمعنا المعاصر، وتبقى الوقفة هدفها استفادة الدروس والعبر من التاريخ القريب حول هذه المسألة الشائكة.
عمل "محمَّد علي" على مجموعة مستويات، منها ما هو من نشاطه ونشاط دولته، ومنها ما كان تدخلًا سافرًا من أطراف أجنبية وجدت منفذًا خطيرًا لها في مصر، وكان من أبرزها:
ظهور فكرة الابتعاث لتحصيل العلوم الحديثة وفنون الصناعات والمدنية، وبناء تعليم جديد مستقل ومنفصل عن التعليم الموجود، وظاهرة فتح الباب لغير المسلمين في إدارة البلاد وإدارة التعليم الجديد وإدارة الجيش والنشاط التجاري، وحرية الحركة والنشاط، واستغلال ضعف المسلمين وفقرهم لتحقيق مصالحهم، وافتتاح المدارس الصناعية، وانتشار واسع للتعليم الأجنبي الموجه أساسًا لأبناء الطوائف الأخرى، كما أن تلك الدولة عرفت المطبعة والترجمة والصحافة، كما أن هناك بعثات رسمية؛ فهناك رحلات خاصة قام بها البعض إلى الغرب خارج دائرة الابتعاث العلمي، وعرفت تلك المرحلة نفوذًا غربيًا عبر بعض تياراته الخطيرة الجديدة، وكان أشهرها حضورًا الماسونية والسيمونية.