للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليهود أو النصارى من قبل، حيث عملت المدارس بطريقة مقاربة لما في الغرب، وأدخلت مواد جديدة كان من أهمها العلوم الحديثة، ووجدت دعمًا ماليًا وماديًا وعلميًا من قبل قوى غربية مختلفة؛ مما هيأها للنجاح ولاسيّما مع وجود سماح ودعم من قبل الوالي المسلم (١).

لقد مثل هذا التعليم المجاور للمسلمين خطورة على التطور الحديث للعالم الإِسلامي، فالمسلمون يرون هذه المدارس حولهم وفيها علوم جديدة، ويحصل المتخرج منها على وظائف مهمة في الدولة أو المجتمع، ولاسيّما من كان منهم يتعلم لغة أخرى أو يدرس الطب أو الحساب فيجد فرصته. ولكن هذه المدارس الأجنبية قد غرس مؤسسوها فيها مشاكلهم المعهودة في أوروبا "الصراع بين الدين والعلم بخلفيته في الغرب"، فكانت المشكلة تظهر أولًا في طلابها، ثم تخرج من خلالها إلى المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه.

أيضًا فقد كانت هذه المدارس نواة مهمة للعلوم العصرية، ولكن أهلها يختلفون عن المجتمع الذي يعيشون فيه من جهة دينهم وقيمهم، فقامت مشكلة شائكة استمرت سنين، فهل يدرس فيها أبناء المسلمين أم لا؟ هناك من ضَعُف أمام الإغراءات وأرسل أبناءه إليها بحجة الحصول على العلوم الجديدة، ولكن تلك المدارس كانت دينية في المقام الأول، فيقع التلميذ المسلم في بحر متلاطم من المصائب؛ فإما أن يمسخ هويته ويندمج في تلك البيئة وينسلخ عن أمته، أو يبقى مشتتًا متمزقًا بين إسلامه وبين دين غيره.

قد يعتذر البعض بأن "محمَّد علي" والخليفة العثماني "محمود الثاني" صاحب التنظيمات وكذا باي تونس ما كان بوسعهم إلا السماح للملّيين بفتح مدارسهم وحصولهم على دعم مباشر من إخوانهم اليهود والنصارى في الغرب، وهو وإن كان عذرًا غير مقبول ولكن لِمَ سُمح لهم بتصدير مشاكلهم إلى المسلمين؟ ولِمَ لم تظهر "المدرسة الإِسلامية" التي يُصاغ فيها التلميذ المسلم وفق


(١) من أوسع ما وجدته من المراجع تغطية لهذا الموضوع مصرِّحًا بكثير من أهداف تلك المدارس كتاب: (التربية في الشرق الأوسط العربي)، د. ماثيوز وَد. متى عقراوي، ترجمة د. أمير بقطر، صدر عن (مجلس التعليم الأمريكي بواشنطن)، انظر حول مصر، الفصل السابع ص ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>