قد يقال: إن إهمال المسلمين تعلم العلوم الحديثة مبكرًا فتح الباب للماسونيين باختراق التعليم ومدارسه وطلابه، ومن ثم استغلال العلم الحديث من قبل أولئك للدخول على الأمة، وهو قول صحيح في الجملة، فإن الضعف الذي عرفته الأمة في عصورها المتأخرة وتولية الولاة لغير المسلمين وتقديمهم على المسلمين في التعليم والإدارة وغيرها مكّن الأعداء من تعليمنا ومدارسنا ومن ثم توجيهها إلى ما يريدون، وحتى إذا انتبه المسلمون لحقيقة دور الأعداء، فإنه يأتي بعد أن ترسّب في التعليم ما نحتاج إلى زمن حتى نُزيله.
٢ - نشاط الماسونيين في "علمنة التعليم" وفي إقصاء العلوم الإسلامية عن الصدارة في المجتمع:
ألمحت الفقرة السابقة عن عناية المحافل الماسونية بشأن التعليم، وهو تعليم من نوع خاص، ذاك التعليم العلماني، الذي يُطرد منه كل ما له صلة بالدين، سواء كان داخل العلوم البشرية أو حتى تدريس مواد دينية مع المواد الأخرى. جاءت البداية بالدعوة لفتح مدارس علمانية لا دينية لكي يدخلها كل الناس، ثم توسع الأمر إلى علمنة المؤسسة التعليمية وتقديم العلوم البشرية وتأخير العلوم الإِسلامية بحجة أنها دينية، ثم علمنة العلم ذاته بالدعوة إلى جعل العلم خاليًا من كل تصور ديني.
يبتدئ العصر الحديث للدولة الماسونية من إنكلترا سنة (١٧١٧ م)، وسميت منذ تلك المرحلة "الماسونية الرمزية" وانتقل عملها كما يقولون إلى بناء "الفضيلة والعلم" حيث كان إعلان انطلاقتهم الحديثة بقيادة "ديزاغليه"، أحدِ علماءِ الطبيعة وعضو في المجمع العلمي الملكي الإنكليزي (١)، وربما بعد النجاحات الكبيرة العلمية التي قادها مجموعة من العلماء توجهت الماسونية إلى تلك العلوم لتتخذها مطية تحقق من خلالها أهدافها.
يقول "هانز" في كتابه عن التعليم المقارن: "منذ إنشاء المحفل الماسوني الأعظم في بريطانيا سنة (١٧١٧ م)، كشفت الماسونية تعاونها مع الجمعيات السرية الأخرى من أجل محاربة التعليم الديني. وأسهمت الماسونية في تأسيس مدارس ثانوية على أسس علمانية، تهدف إلى القضاء على نفوذ الكنيسة على