للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالدليل العقلي القاطع مما ينافى المعاني الظاهرة لتلك النصوص" (١)، فما كان شبهة فحقه الرد، وما كان حقيقة بدليل قاطع وخالف ظاهر النص فحقه التوفيق بينه وبين النص.

ليست مهمة الرد على الشبهات عملية هيّنة، فإن الشبهات قد اكتسبت في العصر الحديث من الزخارف ما يجعلها قوية الإقناع، قوية التغلغل، قوية التأثير، خطيرة الأثر. وليس المقصود بالرد هنا عدم قبولها أو تكذيبها فقط، وإنما المقصود قدرة الناقد على إثبات بطلانها في ذاتها، واقناع من تأثر بها بعدم صحتها، وإزالة الافتتان بها، بحيث يتحقق في الرد مجموعة مستويات "من تقرير المسألة بالدليل النقلي والعقلي، وإماطة ما يعرض من الشبه على المسألة، وتحقيق الأمر على وجه يخلص إلى القلب ما يبرد به من اليقين، ويقف على مواقف آراء العباد في هذه المفازة" (٢)، فمثل هذا الرد وبهذه المستويات يكون المشروع النقدي ذا قيمة وأثر، ولا شك أن الشيخ قد بذل جهده في مشروعه، أما حجم نجاحه في ذلك فيحتاج إلى دراسة مستقلة، ولكنه قد حاول، ويبقى الأبرز في مشروع الشيخ هو الجانب الثاني منه، أي محاولة "التوفيق" في كثير من المسائل بين النصوص الشرعية أو العقائد الدينية وبين العلم الحديث، ولاسيما العلوم الطبيعية من ذلك وفيزياء وكيمياء وعلم الأرض وما في بابها مما عرف منها في زمانه.

معالم المنهج التوفيقي عند الجسر:

١ - النصوص التي اعتمدها الشيخ هي الآيات القرآنية وبعض الأحاديث النبوية، وإن كان قد استثنى حديث "الآحاد" واعتمد "المتواتر" وإلى حدٍ ما "المشهور" (٣). وفي هذا الجزء بالذات يرفض الاتجاه السلفي هذه القسمة الاصطلاحية إذا كانت ستؤدي إلى قبول أحاديث، وإبعاد أخرى بغير حق؛ أي: القسمة إلى متواتر وآحاد، فما جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو حق إذا صح سواء كان


(١) الحصون الحميدية، الجسر ص ١٤٨.
(٢) مستفاد من كلام لشيخ الإِسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية ص ٥١٧ - ٥١٨، وانظر: ص ٢٦٩ و ٢٧٦، بتحقيق حمد التويجري.
(٣) انظر: الحصون الحميدية ص ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>