للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يختلفون في طريقة مواجهتهم لمشاكل مجتمعاتهم لتنوع البيئات وتنوع مشكلاتها، وقد رأينا أن ظروف احتكاك البلاد الإِسلامية بالغرب تختلف من مكان لآخر، ومن ثمّ تختلف طرق التعامل. ومع أن بيئة الشيخ -رحمه الله- كانت بعيدة عن مشكلات التصادم مع الحضارة الغربية، إلا أن هناك ما يلفت النظر من جهة اهتمام الشيخ بالموقف من الحضارة الغربية وعلومها وصناعاتها وفنونها العلمية، وعنايته بالرد على شبهات من يرفض أخذ النافع من حضارة الغرب، أو شبهات من يرى أن الدين عائق من التقدم والمدنية، أو من يرى أن الحضارة الحديثة أثبتت عدم الحاجة إلى الدين، حتى إنه في آخر حياته يؤلف حول الموضوع ذاته.

عالج الشيخ -رحمه الله- مشكلة العلاقة أو الموقف من الحضارة الغربية في عمومها دون مناقشة للتفاصيل؛ لأن البيئة التي يتحرك فيها لم تعرف المشاكل التفصيلية، فيكون من الترف الفكري -الذي يترفع عنه العلماء- مناقشة ما لا حاجة إليه، أما عموم المشكلة فهي قائمة: إذ كانت البلدان البعيدة عن المراكز الكبرى في العالم الإِسلامي تشهد تحولات كالتي شهدتها المراكز القديمة، ومع هذه التغيرات تبدأ المشاكل بالظهور، عندها يتقدم العلماء الكبار لمعالجتها، ومنهم الشيخ السعدي -رحمه الله-. ومن أهم ما ركز عليه الشيخ: أن نقطة الانطلاق الصحيحة التي لا خلاف حولها تبدأ من الدين: أخذه بقوة والتمسك به، وفي الوقت نفسه ودون أي تردد أو تشكك يقرر الشيخ أن العلوم النافعة الموجودة في الحضارة الغربية يُعد أخذها من التمسك بالدين، وأن الحرص على تعلمها وتطويرها بما ينفع الإِسلام والمسلمين من الجهاد، فيُقفل الباب تمامًا أمام أي تردد في ذلك.

ومن العادة وجود أناس -بسبب الجهل غالبًا- يكونون أعداء ما جهلوه، ولكن هؤلاء عادة يسلّمون للعلماء، ومن ذلك قصة الشيخ عندما أدخل مكبر الصوت في المسجد فاعترض عليه البعض واستنكره، فخطب الشيخ وبين دون تردد أن ذلك من الجهاد في سبيل الله فقال: "وكذلك إيصال الأصوات والمقالات النافعة إلى الأمكنة البعيدة من برقيات وتلفونات وغيرهما، داخل في أمر الله ورسوله بتبليغ الحق إلى الخلق، فإن إيصال الحق والكلام النافع بالوسائل المتنوعة من نعم الله". وحتى لا يكون الأمر فقط مجرد استهلاك لمنتجات الحضارات الأخرى، نبه الشيخ -فيما فهمت من نصه- إلى ألّا نبقى

<<  <  ج: ص:  >  >>