للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن بيئتنا غير محصنة، وإذا كان الأمر قد وصل إلى من هو محسوب على العلم وأهله فكيف الحال بغيره، وربما لذلك نجد هذه العناية المميزة من قبل الشيخ في تتبع شبهات المتغربين العامة وإبطالها، مع الحرص على إبراز عظمة الشريعة وحاجة الناس لهذا الدين وبيان كماله وشموله، وحرصه على نقد الإلحاد والملحدين وإبطال شبههم التي يموهون بها على الناس.

يفيدنا هذا الموقف من الشيخ أمرًا مهمًا: أن واجب العلماء كبير عندما تنتشر الأفكار المخالفة للإسلام، فعليهم عدم الاكتفاء بنشر العلم الشرعي والإفتاء والإجابة على النوازل الفقهية، بل التصدي في الوقت نفسه للتيارات المخالفة للإسلام، وأن لا يُترك المجتمع المسلم فريسة لشبهاتهم وضحية لدعواتهم، بل يجب الرد والنقد والنصح للخلق، وكان الشيخ -رحمه الله- ممن قام بهذا الجهد حق قيام.

إذًا نحن أمام شخصية مدهشة، فرّغ حياته للعلم، نشْر العلم الشرعي، وكذا واجه مشكلات مجتمعه ومشكلات عصره، سواء أكانت داخلية مثل مواقف من تكاسل عن طلب التقدم الدنيوي بحجة أن ذلك من أمور الكفار، أو كانت خارجية وأوجدت لها في بيئتنا أتباعًا مثل مواقف المتغربين، ولأن الموقف من الحضارة الغربية وما فيها من علوم هو موضوع البحث فسأقف الآن حول طريقة الشيخ في هذا الباب.

قبل عام تقريبًا من وفاة الشيخ -رحمه الله- وبالتحديد أول سنة (١٣٧٥ هـ) أخرج الشيخ كتابه الصغير: "الدلائل القرآنية في أن العلوم والأعمال النافعة العصرية داخلة في الدين الإِسلامي"، مع أن الشيخ -رحمه الله- كان يمرّ بمرض يُعطّله أحيانًا، والدروس التعليمية تأخذ أغلب وقته، ومع ذلك كلّه وجد الشيخ أن الموضوع يستحق العناية، والعنوان صريح في موضوعه: القرآن يدل على أن العلوم والأعمال النافعة العصرية داخلة في الدين الإِسلامي، والشيخ يستخدم عادة كلمة (داخلة) مما يدل أنها من الإِسلام ذاته؛ ولذا فهي إذا أُخذت كأنما صاحبها أخذ بجزء من الإِسلام. وإذا كانت داخلة في الإِسلام وجزءًا منه فلا تصح جميع الشبهات من اليمين أو اليسار، ممن يحرمها أو يكرهها أو يتوقف فيها، ظنًا منه أنها ليست من الإِسلام أو أنها ضدّه، وكذلك ممن يعظمها ليصل إلى إبطال الكل بجزء منه، فهي إذا كانت من الإِسلام فكيف يدّعي قوم أنها لا تتفق مع الإِسلام

<<  <  ج: ص:  >  >>