للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يترك ما ينفع الناس دون إرشادهم إليه بالعبارة أو الإشارة، وفي أثر يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لو أغفل شيئًا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة" (١)، فإننا وإن اختلفنا مع ما في كتاب السيوطي من تكلف في بعض العلوم، إلا أن القرآن الذي فيه تبيان كل شيء لن يترك ما ينفع الناس في دينهم أو دنياهم دون توجيه. وإذا كان الشيخ قد اكتفى هنا بالتلميح، فسيأتي التصريح في فقرة لاحقة؛ لأنتقل إلى معنى آخر يُحسُّ به في كلام الشيخ وهو أن يسعى أهل الإِسلام ليس في تحصيل هذه العلوم النافعة فحسب، فهذا شيء لا مفرّ منه، وإنما إلى البحث في إرشادات الوحي حول هذه العلوم، والأصول التصورية والأخلاقية والقيمية التي يمكن إضافتها إلى جسم هذه العلوم، في نوعٍ من الإشارة إلى فكرة التأصيل الإِسلامي لها، ومصدر هذا الإحساس هو نقل الشيخ لكلام السيوطي حول دلالة القرآن على أبواب كثيرة.

[وفي الآية الثانية]: قوله -تعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩]، يعالج الشيخ في تفسيره لهذه الآية مشكلة العلاقة بين الدين والتقدم، فيقول: "ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السماوية، وأجمعها لجميع العلوم، وآخرها عهدًا برب العالمين جلّ وعلا -يهدي للتي هى أقوم؛ أي: الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب. . . ." (٢)، ثم استطرد الشيخ في بيان بعض الأوجه التي كان القرآن فيها أقوم "تنبيها ببعضه على كله من المسائل العظام، والمسائل التي أنكرها الملحدون من الكفار، وطعنوا بسببها في دين الإِسلام، لقصور إدراكهم عن معرفة حكمها البالغة" (٣)، وعرض الشيخ لأكثر من عشر مسائل، على طريقة


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره، [النمل: ٩٣] ص ٩٩١، وذكره الألوسي (روح المعاني) في تفسير {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨]، وفي سورة [الرحمن: ٢]، مع تفسير الشنقيطي (أضواء البيان) في الموضع السابق. وتوقفوا الوقفات نفسها، وقد قال عنه الشيخ الألباني: ضعيف جدًا، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة، برقم (١٢١٤)، قال السيوطي في الدر المنثور: أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والديلمي عن أبي هريرة، من تفسير سورة [البقرة: ٢٦].
(٢) أضواء البيان ٣/ ٤٠٩.
(٣) المرجع السابق ٣/ ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>