للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها، والتنعم بملاذها، وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة، يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة" (١).

ولكن إذا كانت هذه العلوم التي برعوا فيها هي من ظاهر الدنيا فهل نهملها، لكونها من ظاهر الدنيا وكونها من علوم الكفار؟

فكان جواب الشيخ الشنقيطي هو إيجاب تعلمها، بل تحويلها إلى علوم من أشرف ما يتعلمه المسلم، فيقول الشيخ -رحمه الله-: "واعلم أن المسلمين يجب عليهم تعلم هذه العلوم الدنيوية. . . . وهذه العلوم الدنيوية التي بينا حقارتها بالنسبة إلى ما غفل عنه أصحابها الكفار، إذا تعلمها المسلمون، وكان كل من تعليمها واستعمالها مطابقًا لما أمر الله به على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -: كانت من أشرف العلوم وأنفعها؛ لأنها يستعان بها على إعلاء كلمة الله ومرضاته -جل وعلا-، وإصلاح الدنيا والآخرة، فلا عيب فيها إذن كما قال -تعالى-: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] فالعمل في إعداد المستطاع من القوة امتثالًا لأمر الله تعالى وسعيًا في مرضاته، وإعلاء كلمته ليس من جنس علم الكفار الغافلين عن الآخرة" (٢).

وسيأتي جيل لاحق لمشروع الشيخ -رحمه الله- من طلابه وطلاب طلابه يحوّلون دعوة الشيخ إلى مشروع حضاري أوسع، فإن تحويلها إلى علوم "من أشرف العلم وأنفعها" كما قال الشيخ يحتاج إلى جهد كبير: نظري وعملي، حتى يتحقق لنا كل ما دعا إليه الشيخ، من الحرص على التقدم والحث على طلب العلوم الدنيوية ولو كانت عند الكفار، وأصبح المشروع الحضاري الإِسلامي للاتجاه السلفي وغيره من الاتجاهات الإِسلامية هو الدعوة إلى أسلمة العلوم والتأصيل الإِسلامي لها، كل علم بحسبه.


(١) المرجع السابق ٦/ ٤٧٨.
(٢) أضواء البيان ٦/ ٤٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>