ركّز أهل التغريب على فلسفة العلم ومذاهب مادية وإلحادية نبتت في أوروبا، واستغلّت ثمار العلم في دعاويها من أجل استغلالها في صراعهم مع الأمة الإسلامية.
يقول "حسن حنفي" عن النموذج الأول: "وواضح من هذا التيار أنه كان غربي الثقافة، يرى أن العلم، وهو حاجة ملحة للمجتمعات العربية، وافد من الغرب، وأنه آخر ما وصل إليه الغرب من فكر علمي، العلم الطبيعي في القرن التاسع عشر، ونظرية التطور في علوم الحياة. حمله نصارى الشام الأكثر ارتباطًا بالثقافة الغربية، وكانت الإرسالات التبشيرية منبرهُ ومكان ازدهاره وانتشاره. ظل فكر الأقلية المثقفة لا يستطيع اختراق الثقافة الإِسلامية للأغلبية"(١)، ولا أدري ما المؤهل لوصفه إياها بأقلية مثقفة؟ وكيف يريد من مجموعة رعاها الاستعمار، واحتضنتها المنابر التبشيرية أن تقبلها الثقافة الإِسلامية! فسبب نفور الثقافة الإِسلامية منها ليس بسبب علمهم وثقافتهم، فإن المسلم يسافر لبلاد الغرب لتحصيل العلم النافع، وهو مشكور على عمله ومأجور إن أخلص في ذلك، أما هؤلاء فقد ركّزوا على صورة تزعم أنها علمية يراد منها غير ما يراد من العلم الحقيقي النافع. ولا أدري كيف يتغافل عن حقيقة دورهم وواقعهم التاريخي رغم وضوح الدلائل سوى قدرة أهل التغريب في اختراق بعض المسلمين؟
فإذا انتقلنا إلى النموذج الثاني وهم الماركسيون، حيث كانوا أشدّ التيارات ادعاءً للعلمية ودفاعًا عن العلم وتمسكًا بالعلم، لدرجة أنك تتوقع أنك أمام علماء، ثم لا تجد سوى الإلحاد، فإذا نظرت إلى حقيقة الدعوى وجدت مقصودهم بالعلم هو فلسفة "ماركس" و"إنجلز" أو تأويلات "لينين" أو "تروتسكي" أو غيرهم، فجعلوا الفلسفة الإلحادية المادية مرادفة للعلم، وعندها يظهر أن هدف إعلان العلم هو غطاء من أجل تسريب الفكر المادي الإلحادي في صورته الماركسية. على أن اللافت لأي باحث هو نوعية المؤسسين لهذه المنظومة، حيث كان أغلبهم من اليهود، وهم يهود يتبنون الفكر الإلحادي، ولهم حسابات كبيرة مع المسلمين، وظهورهم بصورتهم الصريحة يعقد الوضع، لذا كان الطريق الأنسب في صرف الناس عن مصدر دينهم يتم بوضع منافس له مع التشكيك في