للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدها بدأ "بالتخلص من عبودية "الحقيقة" الغيبية. ."، بمثل هذا الموقف البسيط تنهار عند الطالب قضية وتولد أخرى (١).

وقد وقع تحول خطير لمفهوم الحقيقة، فقد أصبحت الحقيقة هي التي تنبثق "من وعي محدد ومن ممارسات إنسانية اجتماعية محددة، ومن نشاطات حرة خلاقة، لا من وحي إلهي أو من حقيقة أزلية" (٢)، فانظر كيف وقع التحول حتى في تلك الحقائق التي جاء بها الوحي وترتبط بالحق سبحانه!!

وكما انهارت الحقيقة فقد انهار معها مفهوم الموضوعية، فهي تكون عملية عندما تطبق على المجتمع العربي الإِسلامي الذي يصفه بالمجتمع البطركي، ولكنه يصفها باللاموضوعية عندما تتعامل مع اتجاهه ورؤيته، وقد كانت الموضوعية حسب ما يذكر عن نفسه لحظة انخراطه في الجو الأكاديمي الأمريكي أساسية يقول: "مع الوقت مكنتني المنهجية الموضوعية، التي بدأت باستيعابها منذ الأشهر الأولى من التحاقي بجامعة شيكاغو، من التخلص من أدران ثقافتي الماضية، وخطوت بواسطتها خطوات فكرية كبيرة "إلى الأمام""، ولكنه اكتشف بعد حادثة النكسة وأثرها على فلسطين أن الغرب المتبجح بالموضوعية لا يعرف الموضوعية عندما يتعلق الأمر بالمصالح، مما جعله يراجع فهمه للموضوعية فاكتشف أن الموضوعية في المجال الغربي مُشبّعة بجوانب كبيرة لا موضوعية (٣)، ولكن من العجب العجاب أن يجد علاج تشوه الموضوعية الليبرالية الرأسمالية في طرف غربي آخر وهو الماركسية، فخرج من عماية اعترف بها إلى أخرى ما زال مصرًا عليها.

هذا نموذج يزعم العلمية لمسيرته الفكرية وبخاصة بعد عيشه في الجو الأكاديمي الغربي، كيف انهار عنده مفهوم الحقيقة ومعها مفهوم الموضوعية، ولكنها وإن خرجت من مفهوم نموذج ليبرالي فقد نقلها لنموذج ماركسي، فهو يعترف بثقل الماركسية عليه، ويقول عن ماركس بأنّه نفذ إلى أساس تفكيره،


(١) انظر: الجمر والرماد .. ، هشام شرابي ص ٣٠.
(٢) الإِسلام والحداثة ص ٣٧٦، وانظر: الغرب في فكر هشام شرابي، الزهرة بلحاج ص ٢١١.
(٣) انظر: الجمر والرماد ص ١٠٦ - ١٠٧، وانظر: الغرب في فكر هشام شرابي، الزهرة بلحاج ص ٢١٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>