التغريبية والمتأثرة بها قد تلبّس بإشكاليات كبيرة، مما جعله أداة للتوظيف السلبي لاسيّما مع تيار يحمل عداوة للدين، ومع أننا نجد حوارًا كبيرًا حول المصطلح داخل المنظومة الغربية قبل توظيفه إلا أنه ومع المتغربين وأمثالهم ينقل دون الحديث عن تلك الأبعاد. هناك تساهل في طرحه كمسلمة بكل أبعاده العلمانية. ورغم الاعتراف بأهميته من جانبه الإيجابي، وكونه بهذا الجانب عنصرًا صلبًا في الحضارة الإِسلامية، إلا أنه قد وُجد للمصطلح مشكلات كبيرة في الفكر العلماني جذبت التيار التغريبي، من أخطرها: رفض أي توجيه ديني بحجة الموضوعية، وأخطر من ذلك إقصاء الدين عن المعرفة العلمية واستبعاد الوحي كمصدر للمعرفة، وإقصاء القيم عن ميدان العلم، وقد وجدنا أن الموضوعية الحقيقية لا تستبعد الدين والقيم ولا تتعارض معها، بل التطور العلمي في ظلّ الدين والقيم أفضل من تطوره في ظل حضارة مادية علمانية، شريطة أن يكون الدين هو الدين الحق والخاتم، والقيم هي تلك النابعة عنه المغروزة في الفطرة السليمة.
لقد عرف العلم الحديث الذي لمع في الحضارة الغربية مشكلات منهجية، أخطرها من جهة المصدر استبعاد الوحي، وأخطرها من جهة المنهجية اعتماد الموضوعية العلمانية. وقد كان للبابين مخاطرهما على العلم العصري، فهناك أبواب لا يستطيع العلم البشري بمصادره الوصول إليها إلا عن طريق الوحي، كما أن هناك أبوابًا لا يمكن السير فيها دون الاعتماد على تصور ورؤية تساعده في مسيره، ويصبح من الزيف دعوى موضوعية جامدة تستقصد إقصاء الدين والقيم. وقد انخرط المتغربون بقوة في هذه المنهجية العلمانية، فاستبعدوا الوحي من مصادر المعرفة وهو أعلاها وأزكاها، وانغمسوا في موضوعية زائفة هدفها استبعاد الدين وقيمه، وقد رأينا خطر مثل هذه الدعاوى ومشكلاتها وزيفها.
وبعد أن عُرض شيء من الانحراف في المنهج، في مصدر التلقي وطريقة الاستدلال، ينتقل البحث إلى بابين وقع فيهما انحراف تغريبي كبير وخطير، في باب العقيدة وفي باب الشريعة، وذلك بطرح الانحراف المنهجي أولًا ثم أمثلة تبين ذلك.