للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قسم العلماء الدين إلى قسمين: عقيدة وشريعة، واختصت العقيدة بمسائل التصورات التي حقها التصديق، بينما اختصت الشريعة بمسائل العمليات وحقها العمل، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فالكلام في باب التوحيد والصفات: هو من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات، والكلام في الشرع والقدر: هو من باب الطلب والإرادة: الدائر بين الإرادة والمحبة، وبين الكراهة والبغض، نفيًا وإثباتًا، والإنسان يجد في نفسه الفرق بين النفي والإثبات والتصديق والتكذيب، وبين الحب والبغض والحض والمنع، حتى إن الفرق بين هذا النوع وبين النوع الآخر معروف عند العامة والخاصة ومعروف عند أصناف المتكلمين في العلم، كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الإيمان وكما ذكره المقسمون للكلام، من أهل النظر والنحو والبيان فذكروا أن الكلام نوعان: خبر وإنشاء، والخبر دائر بين النفي والإثبات، والإنشاء أمر أو نهي أو إباحة.

وإذا كان كذلك: فلابد للعبد أن يثبت لله ما يجب إثباته له من صفات الكمال، وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال، ولابد له في أحكامه من أن يثبت خلقه وأمره، فيؤمن بخلقه المتضمن كمال قدرته وعموم مشيئته، ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من القول والعمل، ويؤمن بشرعه وقدره إيمانًا خاليًا من الزلل، وهذا يتضمن التوحيد في عبادته وحده لا شريك له، وهو التوحيد في القصد والإرادة والعمل، والأول يتضمن التوحيد في العلم والقول كما دلّ على ذلك سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} ودل على الآخر سورة: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)} " (١)، ففي باب الاعتقاد يكون الواجب إثبات ما أخبرنا الله به وتصديقه في ذلك، وأن يكون ذلك على منهج السلف الصالح، منهج أهل السنة والجماعة.

وقد وقع التكذيب في أبواب العقيدة قديمًا وكثر أمره حديثًا، وازداد أمره بعد ظاهرة التأثر بالغرب العلماني ومذاهبه المادية والإلحادية، وقد وقع غالب المتغربين في التكذيب بالعقيدة: كلها أو بعضها، وإذا كان التكذيب قديمًا قد ارتبط غالبًا بالعقل وتخرصاته فإنه قد وُسّع من هذه التخرصات في العصر الحديث وأضيف إليها دعاوى تُنسب إلى العلم ونظرياته.


(١) التدمرية ص ٣ - ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>