ظنًا، وأن الظن لا يغني من الحق شيئًا .. كما يقرر -سبحانه- أن الله قد خلق هذا الكون، وجعل له سننًا لا تتبدل؛ وأنه علم الإنسان أن يبحث عن هذه السنن ويدرك بعضها؛ ويتعامل معها -في حدود طاقته وحاجته- وأنه سيكشف له من هذه السنن في الأنفس والآفاق ما يزيده يقينًا وتأكدًا أن الذي جاءه من عند ربه هو الحق .. دون أن يخل هذا الكشف عن سنن الله التي لا تبديل لها، بحقيقة "الغيب" المجهول للإنسان، والذي سيظل كذلك مجهولًا، ولا بحقيقة طلاقة مشيئة الله وحدوث كل شيء بقدر غيبي خاص من الله، ينشئ هذا الحدث ويبرزه للوجود .. في تناسق تام في العقيدة الإِسلامية، وفي تصور المسلم الناشئ من حقائق العقيدة ..
إن الله سبحانه يصف المؤمنين في مواضع كثيرة من القرآن بأنهم الذين يؤمنون بالغيب؛ فيجعل هذه الصفة قاعدة من قواعد الإيمان الأساسية".
إلى أن قال: "على أن الغيب في هذا الوجود يحيط بالإنسان من كل جانب .. غيب في الماضي وغيب في الحاضر، وغيب في المستقبل .. غيب في نفسه وفي كيانه، وغيب في الكون كله من حوله .. غيب في نشأة هذا الكون وخط سيره، وغيب في طبيعته وحركته .. غيب في نشأة الحياة وخط سيرها، وغيب في طبيعتها وحركتها .. غيب فيما يجهله الإنسان، وغيب فيما يعرفه كذلك!
ويسبح الإنسان في بحر من المجهول .. حتى ليجهل اللحظة ما يجري في كيانه هو ذاته فضلًا على ما يجري حوله في كيان الكون كله؛ وفضلًا عما يجري بعد اللحظة الحاضرة له وللكون كله من حوله: ولكل ذرة، وكل كهرب من ذرة؛ وكل خلية وكل جزئي من خلية!
إنه الغيب .. إنه المجهول .. والعقل البشري. . . . إنما يسبح في بحر المجهول. فلا يقف إلا على جزر طافية هنا وهنالك يتخذ منها معالم في الخضم. ولولا عون الله له، وتسخير هذا الكون، وتعليمه هو بعض نواميسه، ما استطاع شيئًا ..
ولكنه لا يشكر .. {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ:١٣]، بل إنه في هذه الأيام ليتبجح بما كشف الله له من السنن، وبما آتاه من العلم القليل .. يتبجح فيزعم أحيانًا أن "الإنسان يقوم وحده" ولم يعد في حاجة إلى إله يعينه! ويتبجح