للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحسن التنبيه في هذا المجال إلى أن مصطلح "الثورة العلمية" هو دلالة على تميّز تلك المرحلة التاريخية الأوروبية بإنجازات علمية معروفة، لكن دون تضخيم لذلك المصطلح وإكسابه قيمة مطلقة وتزكية نهائية؛ وذلك أن البحوث الحديثة في تاريخ العلم العالمي ما زالت تكتشف وجود إنجازات علمية كبيرة قبل تلك المرحلة، في أوروبا أو في خارجها (١) وإذا كان أول ما عُرفت به الثورة العلمية هو الكشوف الكبيرة في باب الفلك؛ فقد وجد أحد الباحثين معلومات مذهلة حول سبق علماء الفلك في الحضارة الإسلامية إلى تلك الكشوف بفترة كبيرة، بل يوجد تطابق كبير يُحيّر الباحث المنصف، وهذا مما دعا "نويل سويردلو لأن يسأل لا "عما إذا" كان كوبرنيكوس قد تعلم نظرية مراغة، "بل متى وكيف""، وذلك لأوجه التشابه الكبير بين نماذج "كوبرنيكوس" وبين مدرسة مراغة الفلكية في بلاد المسلمين (٢).

ومصطلح الثورة العلمية وإن بقيت دلالته الواضحة على القرنين السادس عشر والسابع عشر ولاسيّما التاريخين المهمين -وما بينهما- التاليين: (٩٥٠ هـ تقريبًا/ ١٥٤٣ م) تاريخ صدور كتاب "كوبرنيكوس" "عن الدوران في فلك السماء"، و (١٠٩٨ هـ - ١٦٨٧ م) تاريخ صدور كتاب "نيوتن" "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" الذي توّج جهود السابقين بإنشائه بناءً علميًا متكاملًا في نسق واحد، ومع ذلك هناك ثورات علمية حدثت بعد هذا التاريخ، وإن كان البعض يطلق عليها اسم: "الثورات في العلم" بدلًا من "الثورات العلمية"، جاعلًا الثورة في العلم أقرب للتطورات أو القفزات في بنية علم من العلوم بعيدًا عن مفهوم التحول الشامل الذي تميزت به الثورات العلمية، وتُعد الدراسة المشهورة لـ "توماس كون: بنية الثورات العلمية" هي من هذا النوع (٣)، وبهذا يتسع الحديث لوجود أكثر من ثورة، كالثورة الكوبرنيكية والنيوتنية والدارونية وثورة الكوانتم (٤) وهكذا.


(١) انظر: مجلة فكر ونقد ص ١٦، مرجع سابق.
(٢) انظر: فجر العلم الجديد: الإسلام -الصين- الغرب، توبي أ. هف ص ٧٠.
(٣) انظر: منطق التقدم العلمي، السابق ص ١٢٢ - ١٢٣، وكتاب كون، ترجمه أكثر من واحد وأشهرها ترجمة شوقي جلال إلى العربية (بنية الثورات العلمية)، وصدر في سلسلة عالم المعرفة برقم (١٦٨)، الكويت.
(٤) انظر: المرجع السابق، (منطق. .) ص ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>