للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن بينها في الجانب الثاني: مفهوم العلمية الضيقة الحسية (١)، فالعلم هو الحسي التجريبي، ومن ثمّ فكل حديث عن غيب أو ما ورائيات فهو غير علمي، وقد برز ذلك بقوة مع التيارات العلموية الوضعية التي صاحبت التطورات العلمية التجريبية في الغرب، وقد سادت في الفكر الغربي وتأثر بذلك المتغربون وقلدوا تيارات الفكر الغربية، فاستهانوا بالغيب بحجة عدم علميته.

ومن بينها في الجانب الثالث: مفهوم الأسطورة، فقد دخل بقوة ميدان العلوم الاجتماعية، وقد أخذ به المتغربون بوصفه مفهومًا يمكن تطبيقه على الغيبيات، فقد كان علم الأساطير يهتم بدراسة الأساطير التي ملأَت الثقافات الوثنية القديمة، ولكن الملاحدة قد وجدوا فيها أداة مناسبة للطعن في الدين، وظهرت من خلال الدراسات المقارنة، فيجمعون كل ما يجدون حول أصل الإنسان، ويخرجون من ذلك بأن ما وجد عند أهل الكتاب له شبه في ديانات غير كتابية، فيصلون من ذلك إلى أن هذا القاسم المشترك دليل على الأسطورة، وهو ميدان واسع يهمنا منه زعمهم أن كل الغيبيات تدخل في الأساطير، وأنه مع تقدم العلوم الطبيعية تبدأ المعرفة الأسطورية في الاختفاء، ومنها الدين، ولكن حدث لمفهوم الأسطورة تطورات في ميدان العلوم الاجتماعية، ومن أهمها محاولة تجاوز القول الذي ارتبط بالتيار الوضعي الذي يرمي الأسطورة في عالم الخرافة، وأصبح الرأي الجديد يرى بأن الأسطورة وإن لم تكن صحيحة وذات واقع موضوعي، إلا أنها مهمة للإنسان، فلا يمكن نفي الأسطورة كما تخيل التيار الوضعي العلموي. ولكن يتفق الطرفان على عدم وجود حقيقة لها، ولكن العلمويين يرفضونها بينما المعاصرون يعترفون بوجود أثر مهم لها، وعدم إمكانية استبعادها، فالإنسان لا يعيش بالعقل فقط، بل بالأسطورة أيضًا.

وقد عُرف عند المتغربين التكذيب بالغيب، أو التشكيك فيه، أو تأويله تحت دعوى أسطوريته، فمع انتشار الفكر الماركسي والأبحاث التاريخية من جهة وبعض العلوم الاجتماعية دخل مصطلح الأسطورة أداةً للتكذيب بالغيب (٢)، وهو


(١) انظر: المعجم الفلسفي، د. جميل صليبا، (المذهب الحسي) ١/ ٤٧٠، وانظر: الموسوعة الفلسفية العربية ١/ ٥١٠.
(٢) حول معنى "الأسطورة" وعلمها، انظر: معجم الفلسفة، د. جميل صليبا ١/ ٧٩، وانظر: الموسوعة الفلسفية العربية، (الاصطلاحات والمفاهيم) ص ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>