للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التشريع الاصطلاحي للفقه عندهم، إذ كل منهما يتناول الدين كله بعقائده وأحكامه وآدابه"، أما عند المتأخرين فيطابق مدلول الشريعة مدلول الفقه، إذ كل منهما يطلق على الأحكام العملية، "إلا أن بينهما فرقًا لا ينبغي أن يهمل، ذلك أن الشريعة هي الدين المنزل من عند الله، والفقه هو فهمنا لتلك الشريعة، فإذا أصبنا الحق في فهمنا كان الفقه للشريعة من هذه الحيثية، وإذا أخطأ فقهنا الحق المنزل لم يكن هذا الفهم من الشريعة، ولم يخرج عن الفقه" (١).

قال ابن القيم: " [إحاطة الأوامر الشرعية بأفعال المكلفين]. وهذه الجملة إنما تنفصل بعد تمهيد قاعدتين عظيمتين: إحداهما: أن الذكر الأمري محيط بجميع أفعال المكلفين أمرًا ونهيًا وإذنًا وعفوًا، كما أن الذكر القدري محيط بجميعها علمًا وكتابة وقدرًا، فعلمه وكتابه وقدره قد أحصى جميع أفعال عباده الواقعة تحت التكليف وغيرها، وأمره ونهيه وإباحته وعفوه قد أحاط بجميع أفعالهم التكليفية، فلا يخرج فعل من أفعالهم عن أحد الحكمين: إما الكوني، وإما الشرعي الأمري، فقد بين الله -سبحانه- على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به وجميع ما نهى عنه وجميع ما أحله وجميع ما حرمه وجميع ما عفا عنه، وبهذا يكون دينه كاملًا كما قال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}. ولكن قد يقصر فهم أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص وعن وجه الدلالة وموقعها، وتفاوت الأمة في مراتب الفهم عن الله ورسوله لا يحصيه إلا الله، ولو كانت الأفهام متساوية لتساوت أقدام العلماء في العلم، ولما خص -سبحانه- سليمان بفهم الحكومة في الحرث، وقد أثنى عليه وعلى داود بالعلم والحكم. . . . والفرق بين الفقه والتأويل أن الفقه هو فهم المعنى المراد، والتأويل إدراك الحقيقة التي يؤول إليها المعنى التي هي أخيته وأصله، وليس كل من فقه في الدين عرف التأويل، فمعرفة التأويل يختص به الراسخون في العلم، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى؛ فإن الراسخين في العلم يعلمون بطلانه والله يعلم بطلانه" (٢).

والشريعة في اصطلاح الفقهاء "تطلق على الأحكام التي سنها الله لعباده


(١) انظر: تاريخ الفقه الإِسلامي، د. عمر الأشقر ص ١٨، وقد ذكر بعض الفروق ص ١٨ - ٢٠.
(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن قيم الجوزية ١/ ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>