للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمغمى عليه حالًا أحسن منا هو عليه، وإنما دخل [١٦١/ب] عليه ذلك لعارض فكان بمنزلة النائم. وفارق الصبي لأنه لا حال له أحسن مما هو عليه فجاز لوليه أن يعقد عليه الإحرام. وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: يجوز للرفيق أن يحرم عنه، ويصير مُحرمًا بإحرامه عنه استحسانًا، لأنه علم منه الرضي بذلك عند المرافقة، وهذا غلط، لأنه لو أذن في ذلك صريحًا لا يجوز فكيف يجوز بدلالة الحال؟!.

فرع أخر

قال والدي رحمه الله: لو أذن الأب لرجل أن يحرم عن ولد، الصغير، هل يجوز للمأذون له الإحرام عنه؟ وجهان: أحدهما: يجوز، وهذا إذا قلنا: لا يختص الآباء والأجداد وبالإحرام عنه.

والثاني: لا يجوز، وهذا إذا قلنا: الآباء والأجداد يختصون بهذه الولايةَ، وهو كما لو وكّل رجلًا أن يبيع ماله من ابنه الصغير يفعله كما يفعله الأب لا يجوز ذلك، لأن هذا يختص بكامل الشفقةً بأم الولاية.

فرع أخر

قال أيضا: لو اعتقد صبي الكفر، فلم يحكم بكفره لكونه تابعًا لأبويه في الإسلام فحج، أو اعتمر معتقدًا الكفر، هل يصح حجّه أم عمرته؟ الأصح عندي أنه يجوز لأن اعتقاده لم يجعله كافرًا، وحكمه حكم المسلم يرث عن المسلم ويورث عنه، وليس الحج فيما يبطل بنيةَ الإبطال، فيجعل اعتقاده الكفر لنيةُ إبطاله، ويخالف الصلاةَ في هذا المعنى، وعندي أنه لا يصح ذلك لأن اعتقاده هذا أيضًا بنيةَ القربةً، فصار كما لو زى الإحرام نافيًا له إن قال في نيته: أحج ولا أحج ونحو ذلك.

مسالة (١): قال: وليس على الحاج بعد فراغه من الرمي أيام منى إلا وداع البيت.

الفصل

إذا فرغ من رمي أيام منى، فإن [١٦٢/أ] كان مليًا أو غير مليّ، ولكنه يريد المقام بمكةً، فليس عليه طواف الوداع، لأنه يحثه لوداع البيت، فإذا كان مقيمًا لا يحتاج إلى الوداع، بان كان من غير أهل مكة ونوى الانصراف إلى بلده، فليس له أن ينفر حتى بوداع البيت بسبعةَ أطواف، ويصلي ركعتين لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا ينصرفون من كل جهةً، فقال: - صلى الله عليه وسلم - "لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهد، بالبيت" (٢). وقال الحارث بن عبداه بن أوس، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج هذا البيت أو اعتمر، فليكن آخر عهده بالبيت" (٣)، ولأنه يجب أن يكون آخر أعمال الحج بمكة وداع البيت عند الانصراف كما كان أول أعماله عند دخوله مكة تحيةَ البيت، ولا


(١) انظر الأم (٢/ (٩٣)).
(٢) أخرجه مسلم (٣٧٩/ ١٣٢٧)، وأبو داود ((٠٢) (٢٠))، وابن ماجه (٣٠٧٠)، والدارمي (٢/ ٧٢)، والبيهقي في "الكبرى" ((٩٧٤٤))، وفي "معرفة السنن" ((٣٠٩٥)).
(٣) أخرجه الترمذي ((٩٤٦)).

<<  <  ج: ص:  >  >>