للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شك أن هذا ليس بركن في صحة الحج، وإذا نفر بلا وداع فقد بينا حكمه فيما سبق، وقد قال في "الأم" (١)، و"القديم": يلزم الدم يتركه. وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وقال في "الإملاء" لا يجب بتركه الدم، وهو القياس لأنه كطواف القدوم.

فرع

لو ودع البيت بالطواف وصلى ركعتين وخرج من غير لبث فقد حصل الوداع، ولو أقام بعد ذلك على زيارةَ صديق أو شري متاع أو عيادةَ مريض فيها لبث بعد الوداع فلا يجزئه الأول. وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفةَ: لا يعيد الوداع، وإن أقام شهرًا، وهذا غلط لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا ينصرفن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت"، وهذا لا يوجد فيما قلتم.

فرع آخر

قال في "الإملاء": ولو أقيمت الصلاةً صلاها، ولم يعد وعلى هذا قال أصحابنا: إذا ودع، ثم أخرج رجله من منزله، وشدةً واشترى في طريقه خبزًا، فأكله في الطريق يجب أن لا يكون [١٢٦/ ب] قطعًا للوداع، لأن ذلك أخذ في الانصراف وتأهب للخروج.

فرع أخر

قال: وأحبّ أن يشرب من نبيذ السقايةَ، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما فرغ من حجّه أتى السقاية، واستسقى نبيذًا، فقال العباس: إنه نبيذ قد خاضت فيه الأيدي، ووقع فيه الذباب، ولنا في البيت نبيذ صاف، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هاته، فأخذه وشربه"، وروى ابن طاوس عن أبيه طاوس آن قال: من تمام الحج شرب النبيذ، وروي أن رجلًا قال لا بن عباس: ما بال أهل هذا البيت يسقون النبيذ وبنو عمهم يسقون اللبن والعسل والسويق؟ أبخل بهم أم حاجه؟ فقال: ما بنا من بخل ولا حاجةَ، ولكن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته، فدعا بشراب، فأتي بنبيذ، فشرب منه ورفع فضله إلى أسامةَ، فشرب، ثم قال: وأحسنتم وأجملتم كذلك فافعلوا، فنحن لا نريد أن نغير ما قال رسول الله، واعلم أن النبيذ الذي يستحب شربه هو النبيذ الذي كان ينبذ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشربه هو وغيره، وهو الحلو الذي يشتد به بأن يكون قد نبذ بالغداةً، فيشربه بالعشي أو بالعشي، فيشربه بالغداةً، فإن جاوز ذلك، وزالت الحلاوةَ منه كره شربه خوفًا من أن يكون مسكرًا، ولا يعلم هو به، وإن حدثت فيه الشدةً المطربةَ صار نجسًا محرمًا.

فرع

قال أصحابنا: ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما روى ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "للمتضلع من ماء زمزم براءةً من النفاق ". وقال أيضًا: "ماء زمزم لما شرب لها" (٢)، وروى عطاء أن النبي [١٦٣/أ] لما أفاض نزع هو لنفسه دلوًا، ولم ينزع


(١) انظر الأم (٢/ ١٥٣).
(٢) أخرجه الحاكم (١/ ٤٧٣)، والدارقطني (٢/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>