للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله" [فصلت: ٣٣] نزلت في المؤذنين.

ومن أصحابنا من قال: الإمامة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده اختاروا الإمامة، ولأنها أشق فكانت أفضل. ومن قال بالأول، قال: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان لاشتغاله بما هو أهم. وكذلك الخلفاء، وهو ظاهر في قول عمر رضي الله عنه لولا الخلافة لأذنت. ولا بد من الصلاة إن لم يكن إماماً فمأموماً فلهذا تولى الإقامة. وقيل: إنما تركه لأنه يحتاج أن يشهد لنفسه، ويقول: أشهد أني رسول الله وفيه تغيير نظم الأذان أيضاً.

وقيل: إنما تركه، لأنه لو دعا الناس بنفسه إلى الصلاة لم يسع لأحد منهم التخلف، وفيه ضيق على الناس. وقيل: كانت الإمامة له أفضل، لأنه كان مأموناً من الخطأ والزلل والتقصير في أداء الضمان [٣٧ أ/ ٢]، فإنه لا يقر على الخطأ والسهو.

وقال بعض أصحابنا وهو قول أئمة خراسان، وهو الصحيح عندي: الإمامة أفضل إذا كان عالماً بما يلزم الإمام في صلاته وما ينوب فيها ويعلم من نفسه القيام بحقها، لأنها أشق والإمام الضامن أكثر عملاً من المؤذن الأمين. وكلما كثر العمل فالثواب أكثر، وهذا اختيار صاحب «الإفصاح» وصرح الشافعي به في كتاب الإمامة، فقال: وأحب الأذان وأكره الإمامة للضمان، وما على الإمام فيها، وإذا أم ينبغي أن يتقي ويؤدي ما عليه في الإمامة، فإذا فعل رجوت أن يكون خير حال من غيره. وفيما ذكروه من لفظه في كتاب الإمامة خلل، ولم يذكروا تمام الكلام على هذا الوجه، وهذا يزيل الإشكال.

فرع

قال أصحابنا: لا يستحب أن يتولى واحد كلا الأمرين: التأذين والإمامة، لأن ذلك لم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة رضي الله عنهم، ولأن المؤذن والقوم تبع للإمام. ومن أدب المؤذن إذا أذن أن ينتظر اجتماع القوم، ثم إذا اجتمعوا يأتي نائب الإمام فيؤذنه باجتماعهم كما ذكرنا عن بلال.

وقال صاحب «الحاوي»: «لو أمكن القيام بهما والجمع بينهما أولى، فيجوز

<<  <  ج: ص:  >  >>