للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يشفع المؤذنون يوم القيامة»، فإذا تقرر هذا اختلف أصحابنا في الأذان والإقامة أيهما أفضل؟ فقال أبو حامد وجماعة: الأذان أفضل، قالوا: وهذا هو المذهب، وقد صرح به في كتاب الإمامة، فقال: وأحبّ الأذان لما فيه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اغفر للمؤذنين». وذكره الإمامة للضمان. وهذا اختيار أبي إسحق ووجه هذا ما ذكرنا من الخبر، «الأئمة ضمناء» فإن الإمامة موضع السلامة، ولا يخاف منها شيء. والضمان موضع الخطر والغرامة ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لكل واحد منهما فكان دعاؤه للأئمة بالرشد الذي هو سبب المغفرة، وكان دعاؤه للمؤذنين بنفس المغفرة.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذنون أطول أعناقاً يوم القيامة». وفي لفظ: «يحشر المؤذنون أطول الناس أعناقاً»، ومعناه أطول رجاء يقال: طال عنقي إلى وعدك، أي: رجائي. وقيل: أراد طولاً حتى لا يبلغ العرق إلى أفواههم فيلجمهم كما يلجم غيرهم. وقيل: لم يرد به أن أعناقهم تطول لكن الناس يعطشون يوم القيامة، فإذا عطش الإنسان انطوت عنقه. والمؤذنون [٣٦ ب/ ٢] لا يعطشون فأعناقهم قائمة.

وقيل: أراد أطول الناس أصواتاً وعبر عن الصوت بالعنق، لأنه محل الصوت. وقيل: أراد أكثر أتباعاً. والعنق: الجماعة من الناس، يقال: ما تبعه عنق من الناس. ومعناه من أجابهم إلى الصلاة تبعهم إلى الجنة يوم القيامة. وقيل: أراد أطولهم أعناقاً لأمنهم، إذ الأمين مشرفٌ رافع رأسه والخائن متوارٍ منقبض.

وقيل: إعناقا بكسر الألف، ويراد به سرعة السير إلى الجنة. وروى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في الأذان لتضاربوا عليه بالسيوف». وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يد الرحمن على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه، وأنه يغفر له مدى صوته أين بلغ». وروي أن عمر رضي الله عنه قال: «لو كنت مؤذناً لما باليت أن لا أجاهد، ولا أحج ولا أعتمر بعد حجة الإسلام».

<<  <  ج: ص:  >  >>