للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل:

فإذا ثبت وجوب الكفارة في حنث الطاعة والمعصية، فالظاهر من مذهب الشافعي، وهو قول أبي حنيفة أن الكفارة وجبت في الحنث وحده لتعلقها بحل ما عقده، كما قال الله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] وقال بعض أصحابنا أنها تجب باليمين والحنث كالزكاة تجب بالنصاب والحول؛ لأن الحنث لا يكون إلا بعقد اليمين.

والأصح عندي من إطلاق هذين المذهبين أن يعتبر حال اليمين، فإن كان عقدها طاعة وحلها معصية وجبت باليمين والحنث؛ لأن التفكير بالمعصية أخص، والله أعلم.

مسألة:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَمَنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَلَمْ يَكُنْ أَثِمَ وَكَفَّرَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {ولا يَاتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ والسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى} [النور: ٢٢] نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لاَ يَنْفَعُ رَجُلاً فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُ وَبِقَولِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الظَّهَارِ {وإنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ القَوْلِ وزُورًا} [المجادلة: ٢] ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ الكَفَارَة وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "فَلْيَاتِ الَّذي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفَّرْ عَنْ يَمِينِهِ" فَقَدْ أَمَرَهُ بِالحِنْثِ عَامِداً وَبِالتَّكْفِيرِ وَدَلَّ إِجْمَاعُهُمْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ فِي الإحْرَامِ عَمْداً أَوْ خَطَأ أَوْ قَتَلَ صَيْداً عَمْداً أَوْ أَخْطَأَ فِي الكَفَّارَة سَوَاءٌ عَلَى أَنَّ الحَلِفِ بَاللَّهِ وَقَتْلِ المُؤْمِنِ عَمْداً أَوْ خَطَأ في الكَفَّارَةِ سَوَاءٌ".

قال في الحاوي: قد مضى اليمين على الفعل المستقبل، فأما اليمين على الفعل الماضي فضربان:

أحدهما: أن يكون على إثبات كقوله: والله لقد فعلت كذا.

والثاني: أن يكون على نفي كقوله: والله ما فعلت كذا، فلا يخلو أن يكون فيها صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً قد فعل ما أثبت وترك ما نفي فلا كفارة عليه؛ لأنها يمين بره، وغن كان كاذباً؛ لأنه لم يفعل ما أثبته وفعل ما نفاه، فقال: والله لقد أكلت، ولم يأكل، أو قال: والله ما أكلت وقد أكل، فهو في هذه اليمين عاص آثم، وتسمى اليمين الغموس؛ لأنها تغمس الحالف بها في المعاصي، وقيل: في النار.

واختلف الفقهاء هل يجب بها الكفارة أم لا؟ فمذهب الشافعي، أن الكفارة فيها واجبة، ووجوبها مقترن بعقدها، وهو قول عطاء، والحكم والأوزاعي.

وقال أبو حنيفة: لا تجب به الكفارة وبه قال مالك، وسفيان الثوري، والليث بن سعد وأحمد وإسحاق استدلالاً بقول الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ولَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩]. ومنه دليلان:

أحدهما: أن اليمين الغموس هي اللغو، والعفو عنها متوجه إلى الكفارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>