للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "قنت شهرًا ثم ترك". وهذا غلط لما احتجّ الشافعي، وهو ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "قنت قبل قتل أهل بئر معونة، ثم قنت بعد قتلهم في الصلاة سواها"، أي: في سائر الصلوات سوى الصبح، مع الصبح [١٠٢ أ/ ٢] ثم ترك القنوت في سواها.

وهذه إشارةٌ إلى قصة نذكرها، وذلك أن رجلًا يقال له: أبو البراء ولقبه ملاعب الأسنة من سادات نجد من المشركين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفدًا من قبل نجٍد فأهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلم يقبل هديته، وقال: "لا نقبل هدية مشرك، فإن أحببت أن أقبل هديتك فأسلم"، فقال: اعرض عليّ الإسلام، فعرض عليه، وتلا عليه القرآن، فلم يسلم، وقال: ما تقوله حسنٌ، ولكني وفد قومي، فأرى أن تبعث من أصحابك من يعرض عليهم الإسلام ويقرأ عليهم القرآن، فإني أرجو أن يسلموا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني أخاف على أصحابي نجدًا"، فقال: أنا جارٌ لهم، إني خفير، وندب النبي - صلى الله عليه وسلم - ستين رجلًا من أصحاب الصفة وأمَّر عليهم رجلًا منهم يقال له: المنذر بن عمرو فلما بلغوا بئر معونة من أرض نجد اجتمع عليهم رِعْلٌ، وذكوان وعصية من قبائل نجد ولم ينفذوا أمان أبي البراء، فقتلوهم إلا رجلين منهم، أحدهما عمرو بن أميّة، والآخر أنصاريّ كانا ذهبا في طلب بغير لهما ضلّ، فلما وجدا وانصرفا، فالتقتهما جارية فقالت: هل أنتما من أصحاب هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيَّ؟ قالا: نعم، فقالت لهما: النجاة، النجاة، فقد قتل أصحابكما في بطن هذا الوادي، فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ما ترى؟ قال: أرى أن نركب البعير ونلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنخبره به، فقال الأنصاري: أمّا أنا فلا أرغب عن مصرع صرع فيه المنذر بن عمرو، فوالله لا يردنّ الجنة قبلي، فقال له عمرو: اصبر إذًا حتى أركب البعير وأتوارى، ثم أنت أعلم، قال: نعم، فركب عمرو وسل الأنصاري سيفه وأقبل على أهل الوادي، فقاتل حتى قتل، فأنزل الله تعالى: (أخبورا إخواننا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا إن الله كان غفورًا رحيمًا)، وكان ذلك من القرآن، ثم نسخت تلاوته، [١٠٢ ب/ ٢] فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يقنت في جميع الصلوات يدعو على أولئك الكفار باللعنة شهرًا، حتى نزل قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: ١٢٨]، فنهاه الله عن اللعنة عليهم إذ كان في سابق علمه تعالى أن يُسلم بعضهم، وذلك أنه روي أن رجلًا منهم أسلم بعد ذلك فسئل عن سبب إسلامه، فقال: "إني طعنت يوم بئر معونة رجلًا من المسلمين بحربتي في صدره فنفذ فيه حتى خرج من ظهره، فكأني أنظر إلى بريق سنان رمحي من ظهره، وهو يبتسم في وجهي وأخذ شيئًا من دمه فرمى نحو السماء فقال: فزت وربّ الكعبة، فقلت في نفسي: بم فاز هذا الرجل؟ أليس قد قتلته؟ ثم أُخبرت أنه الشهادة، فقلت: إنه حق، فأسلمت، فلما نزلت هذه الآية ترك النبي - صلى الله عليه وسلم -

<<  <  ج: ص:  >  >>