للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما قياس التقريب فثلاثة أضرب:

أحدهما: أن يتردد الفرع بين أصلين مختلفي الصفتين، وقد جمع الفرع معنى الأصل فيترجح في الفرع اغلب الصفتين. مثاله في المعقول: أن يكون أحد الأصلين معلولا بالبياض والآخر معلولا بالسواد، ويكون الفرع جامعاً بين السواد والبياض فيعتبر حاله، فإن كان بياضه أكثر من سواده رد إلى الأصل المعلول بالبياض، ولم يكن للسواد فيه تأثير، وإن كان سواده أكثر من بياضه رد إلى الأصل المعلول بالسواد دون البياض، ولم يكن للبياض فيه تأثير.

مثاله في الشرع: الشهادات أمر الله تعالى فيها بقبول العدل ورد الفاسق، وقد علم أن أحداً غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا بمحض الطاعة حتى لا يشوبها بمعصية من الصغائر، فوجب اعتبار الأغلب من حاليه كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، وأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:٦ - ٩]، [١٤٣/ ب] فإن كانت الطاعات أغلب عليه حكم بعدالته، ولا تأثير لما فيه من معصية، وإن كانت المعاصي أغلب عليه حكم بفسقه، ولا تأثير لما فيه من طاعة. وقال أبو حنيفة: هذا الضرب لا يكون قياساً، لأن ما استخرج علة فرعه من أصله، وهذا قد استخرج علة أصله من فرعه. ولأن القياس إنما يصح إذا كان معنى الأصل موجوداً بكماله في الفرع، فإذا وجد بعض أوصافه لا يصح إلحاقه به، وهذا لا يصح، لأن صفة العلة مستخرجة من الفرع وحكم العلة مستخرج من الأصل، والجمع بينهما موضوع بحكم العلة دون صفتها. ومثال هذا: ما نقول في الماء المطلق إذا خالطه مائع طاهر كماء الورد فلم يغيره نظر، فإن كان الماء أكثر حكم له بالتطهير وإن كان فيه ما ليس بمطهر، فإن كان ماء الورد أكثر حكم به غير مطهر، وإن كان فيه ما هو مطهر، ولأن الحادثة إذا أشبهت كل واحد من الأصلين في بعض الأوصاف فلا بد من تعرف حكمها، ولا نصفيها يحتاج أن يلحق بأصله، ولا يجوز إلحاقها بغير هذين الأصلين، لأنه لا يجوز إلحاقها بما لا يشبهها، ولا يمكن إلحاقها بهما لتضادهما فكان إلحاقها بأكثرها شبهاً أولى.

وقال القاضي الطبري: هذا النوع من القياس ضعيف، لأنه مقيس على ما يلحق به من غير علة وذلك لا يجوز، ولا الوصف الذي أشبه الأصل فيه من أن تكون علة الأصل وليس بعلة، فإن علته فهو قياس العلة لا قياس الشبه، وإن لم تكن علته فلا يصح القياس عليه بغير علته. قال: ومعنى هذا [١٤٤/ أ] عندي إذا تردد فرع بين أصلين وقاس كل واحد من الخصمين على أصله فعله ظاهرها الصحة إلى الترجيح، فيغلب أحد الأوصاف بكثر الشبه، فيكون ذلك على سبيل الترجيح.

والثاني: أن يتردد الفرع بين أصلين مختلفي الصفتين والصفتان معدومتان في الفرع، وصفة الفرع تقارب إحدى الصفتين وإن خالفتها. مثاله في المعقول: أن يكون أحد الأصلين معلولا بالبياض والأصل الآخر معلولا بالسواد، والفرع أخضر لا أسود ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>