للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبيض، فيرد إلى أقرب الأصلين شبها بصفته، والخضرة أقرب إلى السواد فيلحق به.

ومثاله في الشرع: قوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة:٩٥]. وليس المثل من النعم مشبهاً للصيد في جميع أوصافه، ولا منافياً له في جميع أوصافه، فاعتبر في الجزاء أقرب الشبه بالصيد. وقال أبو حنيفة: مثل هذا لا يكون قياساً، لأن القياس ما وجدت أوصاف أصله في فرعه، وأوصاف الأصل في هذا غير موجودة في الفرع فصار قياساً بغير علة، ولهذا لا يصح، لأن الحادثة لا بد من حكم، والحكم لا بد له من دليل، فإذا لم يكن في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع دليل عليها لم يبق لها أصل غير القياس، فكان أقرب بها شبهاً بأصل القياس هو علة القياس له، وقد جعله بعض أصحابنا اجتهاداً محضاً ولم يجعله قياساً، وهذا الاجتهاد لا بد له من أصل يعتبر فيه شبه الأصل فصار قياساً.

والثالث: أن يتردد الفرع بين أصلين مختلفي الصفتين، والفرع جامع لصفتي الأصلين وأحد الأصلين [١٤٤/ ب] من جنس الفرع دون الآخر. مثاله: أن يكون الفرع من الطهارة وأحد الأصلين من الصلاة والثاني من الطهارة، فيكون رده إلى أصل الطهارة لمجانسته أولى من رده إلى أصل الصلاة.

واعلم أن هنا أصلاً رابعاً اختلف أصحابنا في جواز وجوده، وهو أن يتردد الفرع بين أصلين فيه شبه كل واحد من الأصلين، ولا يترجح أحدهما على الآخر بشيء، فمنع كثير من أصحابنا في وجوده، وأحال تكافئ الأدلة، لأنه لا يجوز أن يتعبد الله تعالى عبادة بما لم يجعل لهم طريقاً يوصلهم إلى عمله، ولكن ربما خفي على المستدل لقصوره في الاجتهاد، فإن أعوزه الترجيح بين الأصلين عدل إلى التماس حكمه من غير القياس. وذهب الأكثرون إلى جواز وجوده، لأنه لما جاز أن يكون من الأدلة غامضة لما علمه فيها من المصلحة جاز أن يكون فيها متكافئة لما يراه من المصلحة، وليس يخلو أن يكون لها حكم مع التكافيء. فعلى هذا اختلفوا في حكم ما تكافأت فيه الأدلة، وتردد بين أصلين حاظرا ومبيح على وجهين:

أحدهما: المجتهد بالخيار في رده إلى أي الأصلين شاء، لأن الله تعالى لو لم يرد كل واحد مهما لنصب على مراده منهما دليلاً.

والثاني: يرده إلى أغلظ الأصلين حكماً، وهو الحظر دون الإباحة احتياطاً، لأن أصل التكليف موضوع على التغليظ.

فصارت أقسام القياس على ما شرحناه اثني عشر فسماً، ستة منها مخنصة بقياس المعنى، منها ثلاثة أقسام في الجلي وثلاثة في الخفي، وستة أقسام مختصة بقياس الشبه، منها ثلاثة في قياس التحقيق، [١٤٥/ أ] وثلاثة في قياس التقريب. فإذا تقرر هذا فالذي ثبت بالقياس في الشرع هو الأحكام المستنبطة من النصوص. فأما الأسماء والحدود والمقادير، هل يجوز استخراجها بالقياس؟ فيه وجهان:

أحدهما: يجوز إذا تعلق بالأسماء أحكام كتسمية النبيذ خمراً لوجود معنى الخمر

<<  <  ج: ص:  >  >>