ضبط الأمور، فيجوز لهم أن يتخذوا كاتباً، وقيل: يستحب لهم ذلك. وهذا لأن على بن أبي طالب رضي الله عنه كان كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كتب القضية يوم الحديبية. وكان زيد بن ثابت- رضي الله عنه- كاتبه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"تعرف السريانية؟ " فقال: لا، فقال:"إنهم يكتبون إلي ولا أحب أن يقرأ كتبي كل أحد، فتعلم السريانية" قال زيد: فتعلمها في نصف شهر. وروى ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له: السجل. ولأنا لو كلفناه كتب السجلات والمحاضر بيده وينظر بين الناس أدى إلى المشقة والحرج، ويتعذر عليه الجمع بين الأمرين، فكان له أن يتخذ كاتباً يستعين به.
ثم ذكر الشافعي أن يشترط فيه أربعة أوصاف، العدالة، والعقل، والعفة، والنزاهة من الطمع، وهذا لأن الكتابة موضع أمانة فلا توضع في غير العدل، ويستحب أن يكون فقيهاً ليعرف مواقع الألفاظ، ويفرق بين الواجب والجائز، وتعتبر النزاهة لئلا يستمال بالطمع. [١٧٠/ أ] وقوله: "عاقلاً": أردا سديد العقل، لأن وجود العقل شرط العدالة. قال أصحابنا: ويستحب أن يكون جيد الخط ويفصل بين الحروف ويميزها ويضبط ما يحتاج أن يكون مضبوطاً فلا يكتب سبعة مثل تسعة، ذكره صاحب "الإفصاح" وقيل: ينبغي أن يكون أدبياً فلا يأتي بلفظ يلبس أو يوهم تضاعيف حروفه وأطراف سطوره كتبه شيء يتغير به الحكم، فلا ينبغي أن يفاوت الحروف في تباعدها وتدانيها، وأن يقارب السطور في كتابته وهذه كلها مستحبة، والمعتبر فيه أن يكون ممن يحسن الكتابة.
فرع
لا يجوز أن يكون عبداً، لأن الحرية شرط في كمال العدالة. وقال في "الأم": ما ينبغي عندي للقاضي ولا لوال من ولاة المسلمين أن يتخذ كاتباً ذمياً، وينبغي أن يعز المسلمين بأن لا يكون لهم حاجة إلى غير أهل الإسلام، والقاضي أول الخلق عذراً بهذا. قال أصحابنا: لا يجوز أن يكون ذمياً، لأنه جرح نفسه في الدين عند قبول قوله فيه.
وقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}[الممتحنة: ١] الآية، وقال أيضاً عز اسمه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}[المائدة:٥١]، وقال أيضاً عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ}[آل عمران: ١١٨].
وروى أبو سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما بعث من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة تدعوه إلى الخير وتحضه عليه، وبطانة تدعوه إلى الشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله". وهذا صحيح وقد جاء به