البيت، وكل مأجور من الناس في عمل جلّ أو قلّ علا أو سفل، فإذا أكمل عمله وجوّده استحقّ الأجر وانطلق حراً في وقته يقضيه على ما أحبّ، حراً في ماله ينفقه على ما شاء، حراً في رأيه ينحو به النحو الذي أراد ويسوقه السوق الذي اختار، ثم لا يكون الموظف حراً أبداً ولا يملك من أمر نفسه شيئاً؟!
وماذا عليّ وأنا مدرّس -إذا أنا أعددت درسي وألقيته، وقرأت وظائف تلاميذي وصحّحتها، وفعلت كل ما يوجِب عليّ القانون أن أفعل وزدت على الواجبِ النوافلَ- ماذا عليّ أن أؤلف وأكتب، وأن أنقد الأخلاق والكتب والعادات، وأن أسهم في الجهاد الإصلاحي، وأن أحمل القسط الذي أطيقه من أثقال الأمة؟ ومن ذا يحمله إذا لم أحمله أنا وأمثالي من الموظفين والمتعلمين؟ وكيف تتقدم الأمة وتسير في طريقها إلى غايتها إذا لم تجد من أبنائها من يحمل أثقالها؟
أفهل يريد سيدي -أعزّه الله- أن أمحو مَلَكَة الكتابة من رأسي وأطمس نور البصيرة من قلبي، وأسدل على عيني حجاباً حتى لا أرى فأُسَرّ فأشكر أو أبتئس فأنقد، وأهجر الكتب حتى لا أقرأ فيفتح عليّ الكتابُ طريقاً إلى مقالة، وأعتزل الناس حتى لا أسمع حديثاً فأكتب هذا الحديث أو قصة فأدون هذه القصة، وأدلّ على مكان العبرة منها وموطن العظة فيها؟
أفهل يريد سيدي أن أذهب إلى غار في الجبل فأحبس نفسي فيه كيلا أكتب فأزعج حضرته؟ وهل توجب الوظيفة على صاحبها أن يكون عبداً لرؤسائه، مسخَّراً لأغراضهم، ساعياً في