مصالحهم، ولو كان الطريق إلى إرضائهم طريقاً ملتوياً معوَجّاً لا يسلكه رجل يعرف ما هي الفضيلة ويدري ما هو الشرف؟ وهل تُوجب الوظيفة على الموظف أن يكون مبتوراً من جسم الأمة فلا يشعر بوجودها ولا يَأْلم لألمها ولا يحسّ أنه منها ولا يشاركها في شيء من عواطفها، في حين أن المفروض في الموظف أنه من أرقى أبناء الأمة فكراً وأوسعهم اطّلاعاً، وأشدّهم شعوراً بالواجب العام؟
(إلى أن قلت): كلاّ؛ فالموظف من الأمة وإلى الأمة، وليس في البلد شعب وموظفون، ولكن فيه شعباً واحداً يشعر بشعور واحد، ويصدر عن مبدأ واحد ويسعى إلى غاية واحدة. ولأنْ تعرف أنت هذه الحقيقة فتؤمن بها أَوْلى من أن أنزل أنا على رأيك وأخضع لإرادتك فيما يؤذي الحقيقة وينافيها. كلاّ! لقد انقضى ذلك العهد الذي كان فيه الموظف مسؤولاً أمام رئيسه، وأصبحنا اليوم وكلنا مسؤول أمام الأمة والتاريخ، ومسؤول قبل ذلك وبعده أمام الله. وليس هذا الراتب منحة منك حتى تمنّ به عليّ، ولكن راتبك أنت منحة من الأمة التي أنا من أبنائها تمنّ هي به عليك.
* * *
وكانت دمشق في تلك الأيام تعيش كأنها فوق بركان يتفجّر تارة ويخمد تارة، تكمن فيها النار كما تكمن في بطن البركان، ترقب مخرجاً لها تخرج منه.
وكانت في تلك الأيام (١٩٣٥ - ١٩٣٦) حوادث ضخام في النضال وللاستقلال لست أعرض هنا لتفاصيلها، لأنني -كما