للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت- لا أؤرّخ لعهد ولكن أكتب ذكريات. وكان من زعماء الشعب في دمشق فخري البارودي، وهو رجل محبوب خفيف الروح صاحب نكتة، من الوجهاء والأغنياء، يخطب بلغة وسط بين العامّية والفصحى مملوءة بالنكات التي تُضحك الناس. أبوه من وجهاء البلد، يسكن داراً من أفخم الدور في حيّ من أرقى الأحياء (في حيّ القنوات)، وكنت أحضر حفلاته وأخطب فيها، وكان بيننا تعاون لأنه من زعماء الكتلة الوطنية وأنا كنت يوماً قائد الطلاّب الذين يعملون بإمرتها. ولكني كنت أنكر عليه أنه يتبع أحياناً غير سبيل أهل الاستقامة، لا في المال فهو أمين ما عرفت عنه خيانة مالية، بل في التشاغل باقتناص اللذّات. وكانت أحداث وقعت في الشام يومئذ اختطفوا فيها فخري البارودي وبعض الزعماء ونفوهم. لم نكُن نعرف يومئذ ما يُسمّى بزوّار السحَر، وكانت البلاد تُحكَم بالقانون حتى في أيام الانتداب، فلا يُحبَس أحد إلاّ بحكم المحكمة ولا يوقف إلاّ مدّة أربع وعشرين ساعة ثم يُحال إلى النيابة العامّة. ولكن الزمام كان يفلت أحياناً من أيدي الفرنسيين (والفرنسيون يغلب عليهم الاندفاع) فيمسكون ببعض الزعماء وينفونهم مرّة إلى جزيرة أَرْواد (١) ومرّة إلى جهات أخرى. ورأيت حوادث يومئذ:

أحلف (٢) لو أن ما جرى في دمشق في هذه الأيام جرى في


(١) جزيرة صغيرة مقابل الساحل السوري قريبة من طرسوس، كانت منفى في أيام الفرنسيين (مجاهد).
(٢) من مقالة «حوادث دمشق» التي نُشرَت سنة ١٩٣٦، وهي في كتاب «هتاف المجد» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>