فرنسا أو ألمانيا أو إنكلترا، أو في أيّ بلد من بلاد الله العامرة، لكُتب فيه عشرات من الكتب والروايات ومئات من القصائد والمقالات، ولخُلّدت حوادثه تخليداً وصُوّرت مشاهده تصويراً، وصارت حديثاً يَسري في الأجيال الآتية فينفخ فيها روح البطولة والتضحية ويبثّ فيها العزّة والكرامة. وبمثل هذا تتربى الشعوب وتقوى وتسمو هذا السموّ الذي نراه في بعض البلاد التي نعدّها راقية ونقتدي بها.
ولكن هذه الحوادث قد جرت في دمشق، وأدباء دمشق بين موظف يظنّ أن حياته معلَّقة بهذا الراتب وأن عليه أن يثبت دائماً أنه بعيد عن الروح الوطنية، مُوالٍ للحكومة مقيم على ولائها يحافظ على رضاها، ومثل هذا الرجل لا يؤمَل منه خير ... وبين شاعر يحسب أن الشعر مقصور على الأزهار والأطيار والحب والغرام، وأنه ليس من الشعر ولا الأدب أن يصف الشاعر مآسي الوطن والأمة ولا أن يشدو بمفاخره.
(إلى أن قلت): ألم يحرّك هؤلاء الأدباءَ أنّ دمشق تلبث خمسين يوماً مُضربة، مغلقة حوانيتها مقفرة أسواقها، كأنها موسكو حين دخلها نابليون، فتعطّلَت تجارة التاجر وصناعة الصانع، وعاش هذا الشعب الفقير على الخبز وطوى ليله جائعاً من لم يجد الخبز، ثم لم يرتفع صوت واحد بالشكوى ولم يفكّر رجل أو امرأة أو طفل بالتذمّر والضجر، بل كانوا جميعاً من العالِم إلى الجاهل ومن الكبير إلى الصغير ومن الرجل إلى المرأة ومن الشيوخ إلى الأطفال، كانوا جميعاً راضين مبتهجين، يمشون ورؤوسهم مرفوعة وجباههم عالية اعتزازاً وفخراً. ولم يُسمَع أن