فُتح المتجر الكبير والمصرف الشهير؟ هل رأيتم في هذا الشعب الفقير من يشكو البطالة أو يتألّم من الجوع؟ قد عزلتم الحرّاس وسحبتم الخفراء، وأطلقتم الجياع على مخازن الأموال وصناديق الذهب، فهل رأيتم يداً تمتدّ إلى مال؟ ألم يُضرِب اللصوص عن السرقة كما أضرب التجّار عن البيع والناس عن الشراء؟ هل رأيتم في هذا الشعب من يأكل اللحم والحلوى وجارُه لا يجد الخبز؟ ألم يواسِ الغنيُّ الفقيرَ؟ ألم يتساوَ الناس في الصبر والتقشّف؟ ألم يفتح الأطفال صدورهم للرصاص؟ ألم يصمد الفتية العُزْل للجيش اللجب لا يزولون حتى يزول عن مكانه هذا الجبل، ثم يصدمون الجيش صدمة الندّ للندّ، ثم لا تنجلي المعركة إلاّ عن حقّ يظفر ومجد يُؤثَر، أو شهيد منّا يفوز بالجنة وقتيل منكم يُعجّل به إلى النار، أو أسير يُنقَل إلى القلعة ليُعذَّب؟
وكان ممّا قلت فيها: ألم يجاهد الطفل الصغير والمرأة العجوز والشيخ الفاني؟ ألم تمتلئ السجون (والخطاب كله للفرنسيين) بالأبرياء، ألم تضِق المقابر بالشهداء، فهل تكلّم تاريخكم في آذانكم؟ هل عرفتم لهذا الشعب حقّه؟ هل قدّرتم له تضحيته، هل رفعتم قبّعاتكم حينما مرّت بكم مواكب شهدائه وخشعت قلوبكم حينما رأيتم سيل دمائه؟ هل نسيتم ما كنتم تدّعونه كذباً من أن أجدادكم هم الذين أعلنوا حقوق الإنسان وغسلوا بدمائهم صفحة الاستبداد والاستعباد، فجئتم في قرن العشرين (١) تهدمون ما بنى أجدادكم وترجعون بالعالَم إلى الوراء
(١) أنا أرى أن نقول «قرن العشرين» بدلاً من قولهم «القرن العشرون».