للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قروناً ثلاثة؟ أم قد نسيتم ما كتبه روسو وفولتير ومونتسكيو وما قال ميرابو وسييس ولافاييت، وما جهرَت به فرنسا من أنها نصيرة الشعوب وأم الحرّية ومُعينة المظلوم؟ أفي قرن العشرين الذي قالوا إنه قرن النور والحضارة فلم نرَ من نوره إلاّ بريق البارود ولهيب النار، ولم نُبصِر من حضارته إلاّ البنادق والدبابات والحرائق التي شملَت ثلث دمشق، أقدم وأجمل مدن الدنيا؟

ليس الشعب السوري عدواً للتاريخ الفرنسي؛ إن فيه من يُعجَب بأبطاله الذين رفعوا منار الحرّية، ومن يحب الأدب الفرنسي ويحفظ ما فيه من الشعر الوطني والخطب القومية، ولكنه لا يحبّ من ينازعه حقّه في الحياة والحرّية، لا يحبّ من يسلبه أرضه ويضع المسدس على صدغه. فهل هو مَلُوم في هذا؟ هل في الدنيا أمة تحبّ من يسطو على حرّيتها؟ هل في الأرض عاقل يحبّ من يغلبه على داره وينتزع منه أمواله ويتحكّم في نفسه وأهله؟

هل تحبّون من ينازعكم أرضكم وبلادكم؟ فعلامَ إذن لا تُعطُون من الحقّ مثل ما تأخذون لأنفسكم وتُعطُون الناس أجمعين؟ ألأننا لا نستطيع أن نخاطبكم بلغة المدفع؟ ألأننا لا نملك جيش فرنسا وأسطول إنكلترا؟ ألأن حقّنا لم يؤيَّد بالقوّة؟ فأين إذن مبادئ ثورتكم التي علّمتمونا إيّاها في المدارس؟ وأين حقوق الإنسان التي زعمتم أنكم أعلنتموها؟ إن الضعف ليس عاراً ولكن الجبن هو العار، ونحن ضعاف ولكننا لم نجبن أبداً ولا نعرف ما هو الجبن. نحن مغلوبون على أمرنا ولكنّا لم نذلّ أبداً ولا ندري ما هو الذلّ، إننا نعرف كيف نموت كِراماً إذا نحن

<<  <  ج: ص:  >  >>