وممّن جاءنا من المدينة الشيخ الغاطس، أحد مؤذّني المسجد النبوي، وقد تلقّى عنه بعض مؤذّني الأموي نغمة الأذان المدني. ومن عادات هؤلاء المؤذّنين أنهم يأتون بعد صلاة العشاء بابتهالات وأناشيد نبوية موجود مثلها في مصر وغيرها (وهي بدعة)، لكن الذي في دمشق ينفرد بشيء لا يوجد مثله -فيما أعلم- في غيرها؛ هو أن لحن هذه الأناشيد مربوط بالأيام، فلكل يوم مقام (نغم) من المقامات السبعة الأصلية، فمَن لم يعرف ما هو اليوم وكان له بصر بالأنغام عرفه من نغمة (أي من مقام) النشيد. وأحسب أن هذا الترتيب من وضع الشيخ عبد الغني النابلسي.
ومن مدرّسي الجامع الأموي الفقيه الشافعي الكبير الشيخ الجوبري، والشيخ العذري، وهو رجل عجيب إذا أسمعتَه بيتاً في الغزل هاج وماج، وكان في درسه صراحة عجيبة، كان يشتم الفرنسيين ومَن يعاونهم أقبح الشتائم فمنعوه من التدريس.
وكان كلّ من ورد دمشق من العلماء يقرأ درساً في الأموي يبيّن فيه عن علمه ويكشف عن مشربه، ولقد حضرت دروساً منها لأكابر علماء مصر والشمال الإفريقي وغيرهما.
* * *
ولما جاءنا الشريف فيصل كَثُرَ الواردون من الحجاز من علماء وغير علماء، وهذه حادثة طريفة إذا لم تجدوا في روايتها نفعاً فإنكم واجدون في ذلك متعة. هي أن الشريف فيصل نزل في دار عثمان باشا، وهي الدار التي اشترتها فيما بعد السفارة الفرنسية