للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمشي في الجنازة إلاّ مَن يدفعه الوفاء ومن يرجو لنفسه وللميت الثواب.

وكانت مجالس التعزية في الشام يومئذ تُعقَد في المساجد؛ لم يكن فيها من البِدَع إلاّ الشيء القليل. يجتمع الناس بعد صلاة العشاء فتُوزَّع عليهم الربعة (أي أجزاء القرآن كلّ جزء مجلّد على حِدَة) فيقرأ كلّ منهم وحده، حتى إذا انتهت القراءة سألوا الله أن يهب ثوابها للميت ودعوا له، وشربوا ماء مُحَلّى بالسكر وانصرفوا. وقد اختلف العلماء في وصول ثواب القراءة للميت، ولكن ابن القيم جاء بنحو أربعين دليلاً على وصولها، والمسألة خلافية والله أعلم بالصواب.

ولقد طلبت من الحاضرين عشية وفاته في مجلس التعزية في المسجد الأموي، طلبت من كل مَن لديه خبر عن الشيخ أن يبعث به إليّ لأُخرِج كتاباً عنه، فما اجتمعَت الأخبار ولا صدر الكتاب (١).

* * *

كان العلماء -كما قلت- هم القادة. وأنا من يوم وعيت وأدركت ما حولي، قُبَيل الحرب العامة الأولى، أسمع أن الشيخ بدر الدين هو كبير العلماء. كانوا إذا اختلفوا احتكموا إليه، فإن حكم بشيء اجتمعوا عليه. وكان شأنه العزلة؛ دنياه كلها محصورة بين داره التي تبعد عن باب الأموي الشرقي مئة متر ودار الحديث


(١) صدر عنه من قريب كتابان لم يُدرِك مؤلّفاهما الشيخ فدَوّنا ما سمعاه كما سمعاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>