الموسيقي الصوت الذي يغنّيه المطرب، مواقف يقف عليها ومواطن يبتدئ منها وجُمَل يكرّرها، وكلمات يمدّ الصوت فيها وأخرى يشدّه فيها شداً أو يرخيه أو يعلو به أو ينخفض، أو أجعل بعد الحرف الساكن هاء (كهاء السكت في التجويد) تخرج من القلب، وأشياء لا يمكن أن يُعبَّر عنها بكلمات الوصف ولا تُعرَف إلاّ بالسمع.
أما هذه الروايات فقد انتقلت بها من الأمينية إلى غيرها من المدارس التي كنت أعلّم فيها مثل التجارية والكاملية. طُلبتْ مني في المدرسة التجارية (التي فُتحت في موضع المدرسة التجارية الأولى التي كان والدي مديرها، لكنها كانت ثانوية فصارت ابتدائية)، فوضعت لهم رواية عنتر، وهي أجود الروايات التي عملتها. وكانت المدرسة في دار جميل مَرْدَم بك الكبرى ذات الصحن الواسع التي مرّ ذكرها، فاجتمع من المشاهدين ليلة العرض أكثر من ألفَي مشاهد صُفّت لهم الكراسي في الصحن الواسع، وتفنّنتُ في الحِيَل المسرحية فصوّرت معركة ذي قار كأنّها معركة حقيقية؛ جعلت الطلاّب وهم يمثّلون الجيش العربي يمرّون من طرف المسرح إلى طرف وهم يهتفون هتافات عربية ويحملون الرايات، يذهبون ويرجعون من وراء المسرح (ممّا يُسمّى الكواليس) والمشاهد يظنّ بأنه موكب واحد (من باب خداع النظر). حتى إذا مروا جميعاً أخلينا المسرح قليلاً، ثم أشار واحد إلى أن الفُرس قادمون من الجهة الثانية، فجعلنا الطلاّب بلباس الفرس يدورون كما دار الأولون حتى ليحسب الرائي أنهم مئات ومئات. ثم أخلينا الساحة ووَقَفنا فيها مَن يشير بيده ويتحدّث بلسانه