للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنكرتَه يا سيدي؟ قال: ساقية عكرة، وغربان؟! هلاّ ذكرت ماءً كذَوْب اللُجَين تلمع فيه حصى كاللآلئ؟ وهلاّ جعلت على الغصون العنادل والبلابل؟

قلت: يا سيدي، لقد وصفتُ ما أبصرتُ. وأنا لم أشاهد في عمري ماء كأنه ذوب اللجَين ولا حصى «يرُوعُ حاليةَ العذارى فتلمَسُ جانبَ العَقدِ النظيم»، وما عرفت العندليب ولا البلبل. أفأصفُ ما لم أرَ ولم أعرف؟

ولكن الأستاذ لم يُعجِبه ما قلتُ ولا ما كتبت!

* * *

وكان الذين يكتبون عندنا قلائل، وما يصل إلينا من مصر من الكتب والمجلاّت قليلاً أيضاً، ولا أمدّ إليه يداً لأن الأستاذ كان يحذّرنا منه لئلاّ تفسد به مَلَكاتنا ويسري اللحن إلينا؛ لذلك اقتصرَت قراءاتي إلى آخر الدراسة الثانوية على كتب الأدب القديم، فقرأت «الأغاني» كلّه (وإن لم أفهمه كلّه) و «العقد الفريد» و «البيان والتبيين» وما كان في مكتبتنا من أمثال هذه الكتب وما كان فيها من دواوين الشعراء، ولم أعرف من الأدب الجديد إلاّ ما كتب المنفلوطي في «النظرات» و «العبرات» وما تُرجم له فصاغه بقلمه من القصص والروايات، ومجلّة «الرابطة الأدبية» التي تكلّمت عنها في الحلقة (٢٢) من هذه الذكريات.

والمنفلوطي سَلِس العبارة ضحل المعنى، ليس لأفكاره عمق ولكن على ألفاظه طلاوة، كثير الترادف، خَطابي الأسلوب، ومقالته «تأبين فولتير» التي صاغ فيها ما تُرجم له عن فيكتور هوغو

<<  <  ج: ص:  >  >>