يا أسفي على أيام الصبا ولذّات الصبا! لقد نشرت بعدها أكثر من ألف، بل أكثر من ألفَي مقالة، ولكن ما أحسست يوماً بمثل تلك الفرحة. وأنا أكتب المقالة الآن كأني أؤدّي واجباً ما من أدائه بُدّ، وأبعث بها، أو أُملِيها بالهاتف فيسجّلها الأخ طاهر أبوبكر وأحياناً الأخ وهيب غراب، ثم ينسخها ثم يتفضّل بقراءتها عليّ، وأطمئنّ إلى خلوّها من الأخطاء، فإذا دخلَت المطبعة لحقَتها الأخطاء من حيث لا أدري.
إنه لا يؤذيني شيء كما تؤذيني أخطاء الطبع، وأشدّها ما كان فيه تبديل كلمة بكلمة. لقد كتبت في الحلقة الماضية «العشرينيات» وقلت لهم مؤكداً: «العشرينيات» بصيغة النسبة لا «العشرينات»، فلما قرأتها مطبوعة إذا هي «العشرينات»! لقد قاسيت من هذه الأخطاء ما يُعَدّ من «الأشغال الشاقّة» التي يُحكَم بها مع السجن على المجرمين!
تأتي المقالة منشورة وأقرؤها لأطمئنّ عليها، ثم أعود فأقرؤها لأستمتع بها، ثم لا أستطيع أن أعود إليها أبداً. وإني لأكتب الحلقة من هذه الذكريات ولا أكاد أذكر ما قلت فيما كان قبلها، لذلك تأتي بعض الحوادث مكرّرة مُعادة.
* * *
اقترح عليّ أحد المحبّين أن أنشر «المجموعة الكاملة» لكلّ ما كتبت، فقلت: هيهات! لقد كتبت في جرائد ومجلاّت ما عندي منها نسخة واحدة، كتبت سنة ١٩٣٥ في جريدة «الجزيرة» عند الأستاذ تيسير ظبيان رحمه الله (لمّا كانت تصدر في الشام)