للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنا لست مثلهما ولا من طبقتهما، ولكني كنت من أكثر من ثلث قرن أذيع من إذاعة دمشق أحاديث عنوانها «أعلام الإسلام»، ضاع أكثرها فجمعت ما بقي منها فأودعته كتابي «رجال من التاريخ»، وهو كتاب مطبوع متداوَل. سلكت فيه طريقاً ما تبعت فيه أحداً، هو أني أقرأ عمّن أحبّ أن أتكلم عنه كل ما أصل إليه من أخباره، ثم أحقّق هذه الأخبار، ثم آخذ منها مشهداً أو قصّة أدخل منها على ترجمة الرجل، فيكون ما كتبتُه شيئاً وسطاً بين القصة والتاريخ.

* * *

وإذا كان كُتَّاب المسلسَلات يقطعونها في موضع الإثارة ليضمنوا اهتمام المشاهد بها وعودته إليها، فقد قطعت الفِلْم في آخر الحلقة الماضية وبغدادُ في المستشفى (١) على كرسي الولادة. وكان الطبيب المولِّد المعتصم. وإذا قلت إنه لم يكن في علمه وفي فكره كأخيه المأمون فما ذممتُه وما بخستُه حقّه، وكيف وهو بطل «عمورية»؟ وكيف وهو الذي هتفت به أسيرة مسلمة، نادت: وامعتصماه، فأجابها:

أجبتَها معلناً بالسيفِ مُنْصَلِتاً ... ولو أجبتَ بغيرِ السّيفِ لم تُجِبِ

صدق أبو تَمّام، فالجواب بالكلام بدل الحسام هو خرَس عن الجواب. إننا نتكلم الآن ونتكلم، نكتب أبلغ المقالات ونُلقي أعظم الخطب ونطلق التصريحات ملتهبة، ولكن نار الحرب لدينا مطفأة. أفهذا جواب؟


(١) لفظ المستشفى مذكَّر والناس يؤنّثونه بلا وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>