فيها) إلى ما انتهت إليه اليوم. وقالوا إن بغداد اليوم أكبر مساحة وأكثر امتداداً من بغداد الرشيد والمأمون. قالوا: إن طولها زاد على خمسين كيلاً، وقالوا: إن الجسر صار مثل الجسور التي تقوم على دعائم راسيات في الأرض، وقد كان الجسر على عهدي ببغداد يقوم على عوّامات، فإذا فاض النهر وزاد الماء صار الجسر كالتلّ يُصعَد إليه صعوداً، وإذا قلّ الماء صار كالوادي نهبط إليه نازلين! فهل الذي قالوه حقيقة أم هو من الدُّعابات؟
وقالوا إن بغداد ذات الشارع الواحد صار فيها عشرات وعشرات من الشوارع التي تمشي فيها السيارات وتقوم على جانبَيها ضِخام العمارات، فهل الذي قالوه حقيقة أم هو من الدعايات؟
إنني لأشتهي أن أرى بغداد بعد طول الغياب، ولكن ما الذي أجده اليوم من بغداد التي عرفتها؟ مَن الذي سألقاه ممّن كنت ألقى يومئذ فأسعد بلقياه؟ هل أجد الشيخ رضا الشبيبي الذي بسط عليّ جناحَيه فدفع عني الأذى يوم تحالف عليّ إخوة كرام إثر ما كان بيني وبين المفتّش؟ هل أجد العالِم الأديب الذي كان يعمل معه الأستاذ طه الراوي؟ هل أجد العالِم الكبير الشيخ المعمَّر الشيخ إبراهيم الرّاوي؟ ألا يزال في جامع سيد سلطان علي، يستقبل كل من دخل عليه ويُلزِمه أن يأكل من طعامه ولو لم يكن الوقت وقت طعام؟
هل أزور الأخ الذي كان لي أكثر من الأخ الشقيق، الأخ الأكبر وإن كان لا يزيد عني في العمر إلا خمس سنين، الذي كان سبب سفري إلى العراق، والذي كان مكتبه في وزارة المعارف