للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلاها من ثلاث طبقات، يحدّه من هنا النهر ومن هناك أزقّة ضيّقة لا تتّسع لأصغر سيارة لتمشي فيها هي «الدربونات». بغداد التي عرفتها كانت تنام على الشطّين، رأسها في باب المعظّم ورِجْلاها في الباب الشرقي، أو بالعكس، فما أبالي أين الرأس وأين القدمان ما دام الفراش ممدوداً ومداه محدوداً. وما بعد باب المعظم شيء يُذكر في البنيان.

كان طريق الأعظمية خالياً ما فيه إلاّ البلاط الملكي. ولا تحسبوه مثل قصر يلدز أو «ضولْمَه باغْجِه» (١) ولا مثل فرساي. ما هو إلاّ بناء دون بناء بعض بيوت الموسرين. ثم أقامت الأوقاف (على ما أذكر) أمامه دُوَيرات (فيلات صغيرة) جعلوها ذات ألوان، أو أذنوا للناس بإقامتها على أن يسكنوها مدّة معلومة ثم تؤول إلى إدارة الأوقاف، لأن تلك الأرض كانت وقفاً. وليس بعد البلاط ولا قبله منازل ولا بنيان حتى نصل إلى دور الأعظمية، فينادي سائق الحافلة (الباص): "رأس الأحواش"، أي أوائل البيوت ... بيوت الأعظمية، لينزل من شاء من الركّاب.

أما الحافلات (الباصات) فهي صناديق كبيرة من الحديد فيها كراسي ضيّقة متراصّة، وقد خُبِّرت أن الحافلات التي تحمل الناس الآن في بغداد هي التي يحملهم مثلها في لندن لا تختلف عنها، وأن منها ما هو بطبقتين، وعلمت أن عند أمانة العاصمة متحفاً أو معرضاً يعرضون فيه تطور سيارات النقل العامّ من تلك الصناديق التي أعرفها (والتي كنت أزاحم الناس لأتخذ لي كرسياً


(١) باغجه أي حديقة، وأظن أن ضولمه هي ورق العنب.

<<  <  ج: ص:  >  >>