لقد عرفتم أن الذين كانوا يعملون معي (أو كنت أنا أعلّم معهم في المدارس الابتدائية) هم من جِلّة مشايخنا ومن كبار زملائنا. علماء كبار وأدباء معروفون، حسبكم أن منهم شيخنا الشيخ محمد بهجة البيطار وشيخنا الشيخ حامد التقي، وأن منهم الطبيب الشيخ رفيق السباعي وأن منهم الشيخ سعيد البرهاني. أمثال هؤلاء كانوا معلّمين في الابتدائية، وكان من المعلّمين سعيد الأفغاني وسليم الزركلي وأنور العطّار وجميل سلطان وأمجد الطرابلسي، هؤلاء الذين صاروا أدباء البلد وشعراءها.
ما كنت ولا كان كثير من إخواني نَعُدّ أنفسنا معلّمين فقط، وما كنّا نرانا مسؤولين أمام وزارة المعارف وحدها، نطبّق مناهجها ونطيع أوامرها؛ بل كنّا نُعِدّ الجواب للسؤال يوم العرض على الله: السؤال عن تربية الأولاد على ما يُرضيه، على الشريعة التي بُعث بها خاتم رسله، عن تخريج أمة جديدة تؤمن بالله إيماناً خالياً من الشرك كله، الظاهر منه والخفي. تخاف الله ولا تخاف في الحقّ أحداً إلاّ الله، تستهين بعذاب الدنيا مهما اشتدّ للخلاص من عذاب الله في الآخرة وهو أشدّ. كنّا نلقّنهم العقيدة سالمة من الشوائب، ونعوّدهم العبادات بعيدة عن الرياء، والسلوك الذي يحبّبهم إلى الناس ولا يكرّههم إلى الله. فإن جاء أمرٌ فيه تركُ واجبٍ أو فعلُ حرام فلا مبالاةَ حينئذ بحبّ الناس ولا خوفَ من كرههم، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
كنّا نعيد عليهم كل يوم أن هذه البلاد لنا، وأن الفرنسيين واغلون علينا عادون على حقّنا، ومن يعاونهم منّا أعدى منهم علينا