للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا مع العلم أننا نعيش في الدنيا لا نعيش في الجنّة، وأن الدنيا ما صَفَتْ لأحد حتى تصفوَ لنا:

خُلِقتْ على كَدَرٍ وأنت تريدُها ... صفواً منَ الأقذار والأكْدارِ

ومكلِّفُ الأيامِ ضدَّ طِباعِها ... متطلّبٌ في الماءِ جَذْوةَ نارِ

فمعلّم الابتدائي كان يجد من المشاقّ ومن المتاعب ما يكرّه إليه مهنته. كنّا ندرّس في الأسبوع ستاً وثلاثين ساعة، ما عندنا راحة يوم ولا نصف يوم، حتى ولا يوم الخميس. ندرّس من الصباح إلى المساء، نبقى في المدرسة لا نخرج منها، نرقع خروق عقول الصغار من عقولنا، فلا نصل إلى سنّ التقاعد حتى يُمسي كثير منّا بلا عقل! نعاشر أطفالاً تفكيرهم محدود فننزل إليهم فنحدّ من أفكارنا، فنفكّر كالأطفال ونحن كبار.

الأب الذي له خمسة أولاد إن قعد معهم من الصباح إلى المساء أحسّ أن الجنون يقترب منه، فكيف بمن يقعد كل يوم مع عشرات وعشرات من الأولاد؟ الأب يضرب أولاده والمعلّم ممنوع من الضرب، والذين يضعون المناهج للأولاد ويؤلّفون لهم الكتب هم في وادٍ والأولاد في وادٍ؛ كان علينا في درس النحو في السنة الثالثة الابتدائية أن نُعنى بهذه التعريفات. وأقول كلمة على الهامش مع أنها في الصميم ينبغي الانتباه إليها، أقول: إن هذه التعريفات التي نملأ بها كتب النحو لا حاجة إليها ولا خير فيها. ولطالما تعبت لمّا كنت تلميذاً وتعبت لما صرت معلّماً في الجواب على هذا السؤال: كيف تصوغ المضارع من الماضي؟

<<  <  ج: ص:  >  >>