الشارع الكبير الذي يمشي فيه الترام إلاّ البساتين، وكانت تقوم على السفح أربعة صفوف فقط من البيوت، وينتهي خطّ الترام عند بيت الوالي الذي صار حيناً من الدهر قصر رئاسة الجمهورية، ولم يكن بعده إلاّ قصر آل العابد، وأمامهما على الجبل حقول الصبّار (التين الشوكي)، إذا سرت في هذا الشارع بعد أن ينقطع خطّ الترام وصلت إلى ساحة الجريد.
تعرفون ما لعبة الجَريد؟ كان الفرسان يتبارون في هذه الساحة، يمسك الواحد منهم جريداً في يده أو خيزرانة قصيرة، ثم يعدو بفرسه ويلحقه فارس آخر معه مثل هذه الجريدة (أو الخيزرانة)، فإذا مسّه بها غلبه. وكان لهذه اللعبة أصول متَّبَعة.
كان في هذه الساحة قهوة لحسن آغا المهايني. ولم يكن آل المهايني أصحاب مقاه يديرونها، بل كانوا من أمجاد الناس في الشام؛ كانوا من وجوه حيّ الميدان. وكان حسن آغا هذا من وجوه آل المهايني، ولكنه شاخ وتعب فأشار عليه الأطبّاء بأن ينتقل إلى محلّ نزه هادئ، فلم يجد في دمشق أجمل من هذه البقعة إلاّ مصطبة الهبل، التي أقيم عليها مستشفى المواساة بهمة العالِم الجليل الدكتور حسني سبح، أستاذ الأساتذة ورئيس مجمع اللغة العربية في دمشق. وغالب الظنّ أنه كان هنا «دير مُرّان» المشهور الذي وردت عنه الأخبار وقيلت فيه الأشعار.
هذه القهوة أقامها على تلّة عالية وغرس فيها من أنواع الشجر المثمر والنبات المورد المزهر ما جعلها من عجائب الحدائق، وكانت أشبه بالحدائق المعلّقة في بابل التي عدّوها إحدى عجائب الدنيا القديمة. هذه القهوة كانت أشبه بنادٍ خاصّ منها بقهوة عامّة،