للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ينام في داره في زاوية منها ويستقبل فيها ضيوفه ومن يحب أن يجلس فيها من غير ضيوفه.

كنّا نجيء هذه القهوة كلّ عشيّة من مساكننا في أرجاء دمشق، أنا من مسجد القصب بين حيّ العمارة وباب توما، والأستاذ سعيد الأفغاني من مسكنه الذي دار به حارات دمشق كلها، فلم يدع حياً لم يسكن فيه مدّة. والأستاذ عبد الغني الباجقني، وهو مدرّس قديم، عالِم فصيح اللهجة سليم اللغة بصير بالعربية وبالعلوم الإسلامية، فقيه مالكي متمكّن، حتى إنني لمّا كنت يوماً رئيس مجلس الأوقاف رشّحته لمنصب إفتاء المالكية لمّا تُوفّي الشيخ الطيّب، وقد عاد إلى بلده في لوبية (ليبيا) وتُوفّي فيها. والأستاذ حسني كنعان، وهو أستاذنا سنة ١٩١٨، موسيقي أديب صاحب نكتة، وفي قلبه طيب يكاد يقرب من حدّ الغفلة، لا يعرف الشرّ، كتب المئات من المقالات ولم تُطبَع في كتاب. وأنور العطّار، رفيق حياتي، الشاعر المعروف.

وكنّا كلّما جاء دمشق ضيف دعوناه إلى هذه القهوة. لقد جاءها الزيات وعبد الوهاب عزام وعبد الوهاب خلاف وإسعاف النشاشيبي وشكيب أرسلان ومحمد الراوي الشاعر وأحمد أمين، وكثير من ضيوف دمشق. وممّا وقع فيها أن الأستاذ بهجة الأثري جاء مرّة ومعه ولده الصغير، وأحسب أن اسمه زاهر، وكان بيّاعو الصبّار (البَرْشومي) يقعدون في أطراف الساحة، فنزل فاشترى واحدة منها وأخذها بشوكها، ولم يتنبه إليه البائع، فعض منها! فتصوّروا طفلاً صغيراً عضّ حبة من الصبار! وامتلأ فمه بالشوك، واشتغلنا به الجلسة كلها وأضعنا ما كنّا نرجو من متعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>