للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدار قصائد المدح عند الشعراء من قديم الأزمان.

فإذا أحسّوا أن المدرّس الأجنبي عن العراق بخيل همّه جمع المال والعودة به إلى بلده، أو أنه جبان خَوّاف، أو أنه جاهل أو ظالم، فويل له منهم فإنهم لا يرحمون.

أرأيتم الذي يملأ مستودعاته بالبضائع النفيسة والتحف القيّمة فلا يجد لها سوقاً إلاّ سوق القرية، ثم تنفتح له الأسواق الكبرى ويُقبِل عليه الشّارون ويزدحم عليه الناس؟ كذلك كنت لمّا ذهبت إلى العراق؛ كلّ ما حصّلته من المطالعات وما كدّسته في ذهني من المعلومات وما اختزنته من أفكار ومشاعر كان مسدوداً عليه الباب، لأنه لم يكن أمامي في الشام إلاّ تلاميذ الابتدائية الذين لا يصلح هذا لهم ولا يصلحون ليُلقى عليهم. فلما جئت بغداد ووجدت طلاّباً كباراً مدركين، يحبّون أن يتعلّموا ويستطيعون أن يَعوا ويفهموا، انطلقَت نفسي وأخرجَت ما كان فيها، فجئت بأشياء لا يجوز لي أنا أن أتحدّث عنها لأن المرء لا يمدح نفسه، فاسألوا عنها من بقي من تلاميذي في تلك الأيام.

كنّا نقتسم الشُّعَب في صفّ الشهادة الثانوية أنا وأنور، أنا آخذ الشّعَب الأدبية وهو يأخذ الشُّعَب العلمية. كان درسه كالجدول الرقراق الصافي: ألفاظ منتقاة وجمل مرصوصة رصّ اللآلئ في العقد، وإلقاء حلو متمهّل كله أدب في أدب، ولكنه لا يكاد يجاوز «المقرَّر» على الطلاّب.

ودرسي أنا كالنهر المتدفّق الفوّار، أخلط فيه الشرح الأدبي المبتكَر الجديد في كثير من الأحيان، أخلطه بالتاريخ وبالدين

<<  <  ج: ص:  >  >>