وبالاستطرادات، كالذي تسمعونه منيّ الآن في الإذاعة وتشاهدونه وتسمعونه في الرائي فيستحسنه ناس ويستقبحه ناس. لكن الفرق بين الحالين: بين تدريسي في العراق من نحو خمسين سنة وبين أحاديثي في الإذاعة وفي الرائي الآن كما قال الأول:
جاءَ الزمانَ بنوهُ في شبيبتِهِ ... فسَرَّهُمْ وأتيناهُ على الكِبَرِ
والزمان لا يشبّ ولا يشيب، ولكن أنا الذي كان يومئذ كالنار المتوقّدة، وإن كانت تدفئ ولا تحرق وتضيء ولا تضرّ، إن أردتَ أن تُخمِدها لم تخمد، فما بقي عندي من ذلك الآن إلاّ جمرات بين الرماد، إن تركتها انطفأت على مهل وإن نفختها استمرّت ثم صارت شراراً وتحوّل الشرار رماداً.
* * *
كان الناس يزوروننا مرحّبين بنا، وهم كثيرون جداً لا أعرفهم، لكنهم عرفوني وعرفوا أنور عن طريق «الرسالة» وعن طريق الصحف التي قد تصل إليهم، فكانوا يشيرون إشارات ظاهرة حيناً وخفيّة أحياناً إلى أن مقامنا في الفندق غير مقبول.
ولقد سمعت منهم وسمعت من غيرهم ذكر الأوتيلات مقرونة بذكر الملاهي والخمّارات، وأقمت بعد ذلك سنوات في بغداد فما عرفت ما هذه الأوتيلات التي يشيرون إليها. كلّ ما سمعتُه يومئذ أن في أول شارع الرشيد من جهة باب المعظّم ملهى تغنّي فيه قَينة (مغنّية) كان اسمها كما أظن سليمة باشا، وأن في طرف هذا الحيّ المبغى، أي مكان البغاء، وأن أحد الشاعرَين