الكبيرَين كان إذا وَرَدَ بغداد في آخر أيامه ينزل فيه. والله أعلم، فأنا لم أتوثّق ممّا سمعت ولا أُحب أن أتّهم الناس بلا دليل، وإن كنت قد سمعت ذلك مرّات وقرأته مرّات من أُناس يُستبعَد أن يُقْدموا على الكذب.
ومن قبل لمّا كنت أشتغل سنة ١٩٢٩ - ١٩٣٠ في جريدة «فتى العرب» عند الأستاذ معروف الأرناؤوط وكنت أقوم بما يقوم به مدير التحرير الآن، كنت أفتح أنا البريد الوارد على الجريدة فكنت أجد قصائد فاجرة نجسة لهذا الشاعر الكبير، من جنس قصائد القبّاني. وكان الأستاذ معروف يميل لنشر بعضها لو استطاع، لكنني كنت أُمزّقها عند فتح البريد ولو أغضبه ذلك مني.
وكان الشاعر الكبير الآخر (١) ينظم أشعاراً ينكرها الدين، أفليس عجيباً أن أحدهما أنهى حياته وهو شاعر الفسوق والعصيان باسم الفن، والثاني شاعر الكفر باسم الفلسفة؟ والعجيب أن كليهما كان يوماً شيخاً بعمامة بيضاء، حتى إن الشاعر الفيلسوف ألّف رسالة يردّ فيها على الشيخ محمد بن عبد الوهاب والمذهب الوهابي! ولقد كتبت في «الرسالة» من تلك الأيام من أكثر من أربعين سنة أقول: إنه ليس في الدنيا مذهب اسمه المذهب الوهابي وإن الشيخ ابن عبد الوهاب كان حنبلياً مجتهداً في الأمور التي لا يسعه فيها إلاّ الاجتهاد لظهور الدليل. ولمّا مات الشاعر الفيلسوف
(١) هذا الآخَر هو معروف الرُّصافي، أما الأول فهو جميل صدقي الزّهاوي (مجاهد).