أبى الرجل العالِم الصالح الجليل الشيخ أمجد أن يمشي في جنازته مع أنه عمّه، ومع أن الشاعر الكبير الآخر هو الذي يقول (كما أظن ولا أُحقّق):
هيَ الأخلاقُ تَنبُت كالنّباتِ ... إذا سُقِيَتْ بماءِ المَكْرُماتِ
ولكن الماء انقطع عن أخلاقه فصوّح نبتُها وجفّت أغضانها، وماتت فدُفنت في الأرض جذورُها.
لمّا رأينا أن إقامتنا في الفندق لا تليق بنا -كما قالوا- استأجرنا داراً واسعة في الأعظمية قريبة من المسجد وسكنّاها نحن الخمسة: أنا وأنور والدكتور كامل عيّاد، أستاذ الفلسفة المعروف، والأستاذ صالح عقيل الذي صار وزيراً في يوم من الأيام، وقد ذهب إلى رحمة الله، والأستاذ علي حيدر الرّكابي أستاذ اللغة الإنكليزية، وهو ابن رضا باشا الركابي الذي بلغ في الجيش العثماني رتبة لم يبلغها عربي غيره والذي كان الحاكم العسكري في الشام أيام الشريف فيصل بن الحسين قبل ميسلون.
وجئنا، أي جاء إخواننا لا أنا، بامرأة كبيرة في السنّ فارسية تطبخ وتنظّف. ومن أعجب ما كانت تُعِدّ لنا صباحاً البيض المقليّ بالسكّر بدلاً من الملح! وقد استنكرناه أولاً ثم استمرأناه، لأن البيض ليس غريباً عن السكر. أمَا تُصنَع منهما معاً الفَرَانيّ (١)(أي الكاتو)؟