للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في تلك السنة دُعيت للتدريس في دار العلوم (التي صارت الآن كما سمعت كلّية الشريعة)، وهي في دار كبيرة عربية جميلة مشرقة كأنها من الدور الشامية العريقة، فيها الأشجار والأوراد والأزهار، وهي بجوار مسجد الإمام الأعظم أبي حنيفة، جدارها جداره وبينهما باب، وكنت أدخل من هذا الباب فأُصلّي أكثر الصلوات في المسجد. وهو من المساجد المأنوسة، وفي كلّ المساجد أُنْس للروح ولكن بعضها يزيد أُنسه عن بعض. وفي طرف المسجد قبر الإمام أبي حنيفة، وما زرته لأنني خفت أن يكون فيه مثل ما كان في مقبرة الشيخ عبد القادر الجيلاني في مسجده في بغداد، وعند قبر الحسين في مصر، وعند القبر المنسوب ليحيى عليه السلام في الشام، في كلها بِدَع مُنكَرة أنكرها فقهاء المذاهب الأربعة، وإن لم تبلغ ما عند قبور أئمة الشيعة في الكاظمية وسامرّاء وكربلاء والنجف.

أمضيت في دار العلوم أياماً، كنت آتيها بعد انتهاء عملي في الثانوية، واستأذنت أن أبيت فيها فأُذِن لي، فكنت أنام فيها وحدي ما معي إلاّ رجل اسمه حاجي نجم، كان كبير الفرّاشين أو المراقبين، ولي معه قصّة سيأتي ذكرها. وفي دار العلوم اجتمعت بجلّة من مشايخ بغداد: الشيخ أمجد الزهاوي والحاجّ حمدي الأعظمي والمفتي الشيخ قاسم القَيسي ومدير المدرسة الأستاذ فهمي المدرّس، وكلهم كبار السنّ وأنا الشابّ بينهم، وما أكثر ما أمضينا سهرات ممتعات نافعات في دار الحاجّ حمدي الأعظمي في الأعظمية في مكتبته الكبيرة القيّمة، وفي دار الشيخ قاسم المطلّة على دجلة مقابل الكاظمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>